كتبت: كندا نيوز:الأحد 7 ديسمبر 2025 10:58 صباحاً آخر مرة رأيت فيها ماريا الرسول، كانت ترمي حذاء على مديرة مدرستها.
كانت ماريا في الخامسة من عمرها، هي وعائلتها، اللاجئون من الحرب الأهلية السورية، وصلوا إلى كندا قبل أسبوعين فقط، وكان عددهم 12 شخصا: محمود الرسول، وزوجته إسعاف العمر، وأطفالهم الثمانية، بالإضافة إلى شقيقتي محمود، ووجد لهم الرعاة الكنديون منزلا في سكاربورو للإقامة فيه، ومدارس يذهب إليها الأطفال.
وفي اليوم الأول من الفصل الشتوي، ارتدى الأطفال أحذيتهم الجديدة وذهبوا إلى الصفوف، ولم يكن أي منهم يتحدث أكثر من بضع كلمات بالإنجليزية، لكن مدارس تورنتو، بعد عقود من استقبال أطفال من كل أنحاء العالم، كانت تعرف كيف ترحب بهم.
قاد المعلمون ماريا بلطف إلى غرفة الروضة، حيث جلست متربعة على السجادة مع الآخرين، “صباح الخير يا ماريا”، هتف زملاؤها في الصف.
في البداية، سارت الأمور جيدا، فقد كانت طفلة مرحة تحب المزاح مع إخوتها، ولعبت في المطبخ الصغير مع فتاة أخرى وهي مبتسمة.
ولكن في منتصف الصباح، بدا أن ماريا أدركت فجأة أنها في مكان غريب وفي بلد أجنبي، وركضت خارج باب المدرسة إلى البرد، وعندما أعادتها المديرة، مارشيا بيت، إلى الداخل، فقدت السيطرة، ورمت حذاء رياضيا عليها وضربتها بقبضتيها الصغيرتين.
وكان ذلك قبل عشر سنوات، فكيف حال ماريا وعائلتها الآن؟
هذا ليس وقتا جيدا لتكون مهاجرا، فبعد سنوات من استقبال موجات اللاجئين والمهاجرين، أغلقت العديد من الدول الغنية أبوابها بقوة.
ومنذ أن اتُهم مواطن أفغاني بإطلاق النار على اثنين من أفراد الحرس الوطني في واشنطن الشهر الماضي، شددت أمريكا إجراءاتها ضد الهجرة، وأوقفت الطلبات من 19 دولة غير أوروبية، بما فيها أفغانستان والصومال، وهذا الأسبوع، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المهاجرين الصوماليين بأنهم “قمامة” و”لا يساهمون بشيء”.
وفي بريطانيا، يتصدر حزب مناهض للهجرة استطلاعات الرأي، ولإعادة كسب الدعم، يخطط رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر لفرض قيود جديدة على طالبي اللجوء، أما ألمانيا وفرنسا، فكلاهما يشهد صعود أحزاب مناهضة للهجرة، ويعتمد سياسات أكثر صرامة بشأن الجنسية والهجرة.
حتى في كندا، تغيرت المواقف، فقد أخفق الليبراليون بقيادة جاستن ترودو في إدارة ملف الهجرة، إذ تدفق مئات الآلاف من الشباب على تأشيرات الدراسة إلى البلاد، كثير منهم يأملون في إيجاد طريق خلفي للإقامة الدائمة، كما وصل عدد كبير من العمال الأجانب المؤقتين.
ورغم أن كندا قلّصت منذ ذلك الحين عدد الوافدين، ما زال كثير من الكنديين يرون أن العدد مرتفع جدا، وأظهر بحث جديد من جامعة تورنتو أن الشباب خصوصا أصبحوا أكثر سلبية تجاه الهجرة، جزئيا بسبب ارتفاع تكاليف السكن.
ولا أحد يريد هجرة مفتوحة للجميع، ومن حق الكنديين المطالبة بالقواعد والحدود والإدارة الجيدة، وكما كتب توني كيلر، في كتابه الجديد فوضى الحدود: كيف نجحت كندا في ملف الهجرة ثم أخفقت، يجب أن يكون شعار كندا: “مرحبا بالمهاجرين.. كثيرون، لكن ليس أكثر من اللازم، وأغلبهم متعلمون وذوو مهارات، ودائما بشكل قانوني”.
ولكن بينما تسعى كندا لإعادة الأمور إلى نصابها، لا يجب أن ينسى الكنديون أن الهجرة كانت نعمة كبيرة للبلاد، فقد جلبت دماء جديدة وطاقة جديدة لبلد يحتاجهما.
فعندما فر السوريون جماعيا قبل عقد، وقفت كندا إلى جانبهم، كما فعلت مع “أصحاب القوارب” الفيتناميين، وكما فعلت لاحقا مع الأوكرانيين بعد الحرب مع روسيا.
وبمساعدة الرعاة الكنديين السخيين، وصل 25 ألف سوري خلال 100 يوم في 2015-2016.
ومن بينهم كانت ماريا وعائلتها، فقد قضوا سنوات بائسة كلاجئين في لبنان، يعيشون في خيمة بعد فرارهم من القتال في مدينة حمص، ثم حصلوا على إذن بالقدوم إلى كندا.
وبعد حادثة ماريا الصغيرة، هدأت وسارت على خطى عدد لا يحصى من الأطفال الذين أُلقي بهم في أعماق مدارس تورنتو.
وكان الأمر صعبا في البداية، وقالت هذا الأسبوع في مقابلة: “لم يكن أحد يريد أن يكون صديقا لفتاة لا تتحدث الإنجليزية”، ولكن الأمور تحسنت، تعلمت الإنجليزية، وكوّنت صداقات، وأصبحت كندية مثل أي شخص آخر.
وازدهرت عائلتها، فقد حصل والدها، محمود، على وظيفة جيدة في البناء، وبمرور الوقت، تمكن من شراء منزل من خمس غرف نوم في شارع

