الأحد 7 ديسمبر 2025 05:28 مساءً هل تساءلت يومًا لماذا نُجيد الاحتفال بالنجاح، ونعجز عن استقبال الخيبة بكرامة؟ في لحظات الانتصار، تُفتح الأبواب، تُلتقط الصور، وتُرصع الكلمات بالتهاني. أما حين تخذلنا الحياة، حين تسقط المشاريع وتنتهي العلاقات وتُغلق الأبواب في وجوهنا، نصمت فجأة، كأن الخيبة عار يجب إخفاؤه، لا تجربة إنسانية تستحق الاحتواء.
لكن الحقيقة أن الخيبة ليست استثناءً في مسار الحياة، بل هي الوجه الآخر للحلم، تمشي إلى جواره خطوة بخطوة. من يطارد النجاح لا بد أن يمر بمحطات الفشل وسوء الفهم وخذلان البشر، تمامًا كما يمر المسافر بمحطات استراحة متعبة قبل أن يبلغ وجهته. غير أن ثقافتنا تمجد النهايات اللامعة وتتجاهل الطريق المليء بالعثرات، فننشأ ونحن نربط قيمتنا بما ننجزه، لا بما نتعلّمه حين لا نصل. فكبر فينا خوف مبالغ فيه من السقوط، حتى بات بعضنا يفضل التراجع على المحاولة، خشية أن يُواجه خيبته وحيدًا.
فن استقبال الخيبة يبدأ من الاعتراف بحقها في حياتنا. كما نفتح أبوابنا للتهنئة عند النجاح، نحتاج أن نفتح نافذة صغيرة للضوء حين يشتد الألم. أن نسمح لأنفسنا بالبكاء دون خجل، وبالاعتراف بالخذلان دون ادعاء القوة المستمرة. هذا لا يعني الاستسلام، بل يعني احترام التجربة: تدوين ما حدث، تسمية الشعور بدل الهروب منه، وسؤال النفس: ماذا أراد هذا الألم أن يعلمني عن طريقتي في الاختيار؟ عن توقعاتي من الآخرين؟ عن علاقتي بذاتي؟.
ولأن الخيبة غالبًا ما تتسلل من أقرب الأماكن إلى القلب، نحتاج إلى مهارات عملية لاستقبالها. من هذه المهارات: أن نفصل بين القيمة الذاتية ونتائج المحاولات، فلا نسمح لفشل مشروع أن يُقنعنا بأننا فاشلون. أن نخفف من حدة الأحكام على أنفسنا وعلى الآخرين، فنرى فيمن خذلنا إنسانًا محدود القدرة، لا وحشًا ولا مخلصًا. وأن نمنح قلوبنا وقتًا مناسبًا للترميم قبل أن نقفز إلى تجربة جديدة بنفس الجروح المفتوحة. حينها يتحول الفشل من ندبة تُخجلنا إلى أثر يذكرنا بأننا تجرأنا على الحياة.
المستقبل، بكل ما يحمله من تقلبات اقتصادية، وسرعة تغير في الفرص، وضغط نفسي متزايد، سيجعل من مهارة استقبال الخيبة ضرورة بقاء لا رفاهية شعورية. قد نرى مدارس تعلم الأطفال كيف يتعاملون مع الرسوب كما يتعاملون مع التفوق، وشركات تنظم جلسات لمراجعة الإخفاقات بلا جلد ولا فضيحة، بل كمساحة تعلم جماعي. سنحتاج إلى جيل يعرف أن النجاح المستدام لا يُبنى فوق إنكار الفشل، بل فوق استيعابه وتحويله إلى خبرة وأرض صلبة يُقام عليها ما يليه من محاولات.
ربما أصعب ما في الخيبة أنها تضعنا وجهًا لوجه مع هشاشتنا. نرى في المرآة شخصًا راهن بكل ما يملك، ثم عاد خالي الوفاض. فنميل إلى معاقبته بلومٍ قاسٍ وأسئلة موجعة من نوع: «لماذا لم تكن أذكى؟ لماذا لم تنتبه؟ كيف صدقت؟». لكن، أليس هو نفسه من امتلك شجاعة المحاولة؟ من تقدم خطوة بينما فضل كثيرون البقاء في الصفوف الخلفية يراقبون؟ حين نعامل هذا الشخص بلطف، كما نعامل صديقًا نحبه، نربت على كتفه ونقول له: «تعال نفهم ما حدث، لا لنُدينك، بل لنحمي قلبك في المرة القادمة»، نكون قد بدأنا أولى خطوات التعافي.
الخيبة، حين نُحسن استقبالها، لا تُقصينا عن الحياة، بل تُقربنا من أنفسنا. تُعلمنا أن النجاح الحقيقي لا يُبنى على إنكار الألم، بل على تجاوزه بكرامة. وربما نحتاج، قبل أي درس مكتوب، إلى أن نهمس لأنفسنا كلما ضاقت بنا الخيبة: «لم أخسر كل شيء، ما دمت ما زلت أجرب وأتعلم».
أن نعامل جروحنا كما نعامل أوسمة التكريم؛ لا نعلقها أمام الجميع، لكننا نعرف أنها هناك، تشهد أننا اجتزنا ما ظنناه يومًا نهاية الطريق. حين نتعلم هذا الفن، سيصبح مرور الخيبة في حياتنا أقل قسوة، وسيغدو كل نجاح لاحق أعمق طعمًا، لأنه جاء بعد قلب عرف كيف ينهض من تحت الركام دون أن يفقد إنسانيته.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير




