
محسن اليزيدي
بدأت المؤشرات الديموغرافية تلفت الانتباه إلى تراجع ملحوظ في معدلات الخصوبة بين المواطنين، رغم استمرار الارتفاع في إجمالي عدد السكان. وتشير تقارير وإحصاءات محلية إلى اقتراب الدولة من ما يُعرف بـ«خط الخطر» في عدد المواليد، وهو ما يضع هذا الملف في صدارة القضايا التنموية، باعتباره تحديًا استراتيجيًا على المدى الطويل، ويتطلب تكاملًا أوثق بين السياسات السكانية والخطط الاقتصادية والتنموية، مع تركيز خاص على فئة الشباب باعتبارها ركيزة الحاضر وأساس المستقبل.
وفي هذا السياق، أجرت «الشرق» استطلاعًا لآراء عدد من المواطنين والمختصين، للوقوف على قراءتهم لأسباب انخفاض معدلات الإنجاب، وانعكاساته على المجتمع القطري، وسبل معالجته. وأجمع المشاركون على أهمية تشجيع الشباب القطري على الزواج والإنجاب، وضرورة مضاعفة جهود الجهات المعنية لتذليل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الوعي بأهمية التوازن بين الطموح الفردي وبناء الأسرة، مؤكدين أن انخفاض معدلات الإنجاب يمثل تحديًا حقيقيًا أمام تحقيق الأهداف الإنمائية والاستدامة السكانية، التي تتطلب نموًا بشريًا متوازنًا يواكب مسيرة التنمية الشاملة للدولة.
قاسم الشرفي: انعكاسات مباشرة على التركيبة السكانية
أكد قاسم الشرفي أن الموضوع بالغ الأهمية، مشيرًا إلى أن شريحة من الشباب حاليًا لا تُقبل على الزواج، وإذا أقدمت عليه فإنها تميل إلى تحديد النسل، متأثرةً بثقافات دخيلة على المجتمع، وبضعف الرغبة في تحمّل مسؤولية بناء أسرة. وأوضح أن عزوف الشباب عن الزواج وتأخير الإنجاب يعودان إلى جملة من الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ما يستدعي اقتراح وتنفيذ حلول جادة لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال إعداد برامج محددة للتشجيع على الزواج المبكر والإنجاب، وتقليل الأعباء المالية المترتبة على الزواج، إلى جانب التوعية بفوائد الزواج المبكر وزيادة المواليد ودورهما في تكوين شخصية الشاب وتعزيز استقراره المجتمعي، والتصدي للتجارب السلبية المرتبطة بالزواج والمفاهيم المغلوطة التي تربط بينه وبين تعارض الحرية أو النجاح العملي.

وأضاف الشرفي أن المشكلة لا تتوقف عند الفرد فحسب، بل تترك آثارًا عميقة على التركيبة السكانية للدولة. وبالنظر إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الخليج عام 2025، أوضح أن أسباب تأخير الإنجاب لدى المتزوجين الجدد تعود إلى عدة عوامل رئيسية ذات انعكاسات مباشرة على التركيبة السكانية، من بينها سعي بعض الزوجات إلى استكمال الدراسات العليا أو تثبيت مسارهن الوظيفي قبل التفرغ للأمومة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن، ورغبة الزوجين في تحقيق استقرار مالي يضمن رفاهية الطفل مستقبلًا، فضلًا عن نمط اجتماعي يتمثل في رغبة الزوجين في الاستمتاع بالحياة الزوجية والسفر خلال السنوات الأولى من الزواج.
نورة السويدي: التوعية للتوازن بين الطموح الشخصي والأسرة
قالت نورة السويدي، المدربة في الإدارة وتطوير الذات، إن تأجيل الإنجاب لدى بعض المواطنين في قطر يُعد أمرًا طبيعيًا في بداية الزواج، نتيجة الانشغال بالدراسة والعمل والسعي إلى تحقيق الاستقرار المالي، إلا أنه بات ظاهرة تستدعي التوعية لضمان التوازن بين الطموح الشخصي والحياة الأسرية، والحفاظ على التركيبة السكانية. وأشارت إلى أن الدولة لم تُقصّر في هذا الجانب، إذ تبذل جهودًا كبيرة لتشجيع الشباب على الزواج المبكر والإنجاب، من خلال تقديم الدعم السكني والمادي.

وأكدت ضرورة بلورة مفهوم الزواج لدى جيل الشباب، ونشر الوعي عبر المؤسسات الإعلامية والتعليمية، إلى جانب تنظيم دورات إلزامية لما قبل الزواج في المراكز الاجتماعية، مثل مركز الاستشارات الأسرية. وأضافت أنه في الماضي كانت الأسر القطرية تميل إلى كثرة الإنجاب، حيث كان عدد الأبناء غالبًا يتجاوز ستة أو سبعة في الأسرة الواحدة، وهو توجه فرضته طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية آنذاك. ومع تغيّر نمط الحياة وتسارع وتيرتها، فضلًا عن التحديات المرتبطة بتكاليف المعيشة والتعليم وتربية الأبناء، بات من الواضح انتشار ظاهرة تقليل عدد الأبناء، إذ يختار كثير من الأزواج الاكتفاء بطفلين أو ثلاثة، في محاولة لتحقيق التوازن بين متطلبات الحياة وتوفير بيئة مستقرة لأبنائهم.
وأوضحت السويدي أن قرار الإنجاب لم يعد قرارًا عاطفيًا في الوقت الراهن، بل أصبح قرارًا اقتصاديًا ونفسيًا واجتماعيًا، في ظل ما تواجهه الأم العاملة من تحديات متعددة في الموازنة بين متطلبات العمل والمسؤوليات الأسرية.
سعد الباكر: عادات دخيلة وممارسات أسرية خاطئة تُفاقم المشكلة
أشار سعد الباكر إلى أن تذبذب المؤشرات الإحصائية المتعلقة بعدد المواطنين يرتبط بالواقعين الاقتصادي والاجتماعي، لافتًا إلى أن بعض الدول المتقدمة والسريعة النمو أدركت مبكرًا أهمية المحافظة على التناسب بين القوى البشرية، ولا سيما عدد المواطنين، والعمل على تحقيق توازن سكاني ينسجم مع جداول وخطط التنمية المستدامة للدولة. وأكد أن للجهات الرسمية، التشريعية والتنفيذية، دورًا محوريًا في الحفاظ على ميزان العدد السكاني لأي دولة، من خلال سياسات قائمة على إحصاءات مدروسة وجداول زمنية مقننة.

وتساءل الباكر عمّا إذا كانت هناك حاجة ملحّة للبحث في أسباب تواضع عدد المواطنين في دولة قطر منذ تأسيسها وحتى اليوم، وما إذا كان ذلك يستدعي الاعتراف بوجود خلل ما أو إخفاق أو إهمال غير مقصود، مؤكدًا أنه لا يرى أسبابًا ديموغرافية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية جوهرية تبرر هذا التعثر في زيادة عدد المواطنين، خاصة في ظل المكانة السياسية والاقتصادية التي تتمتع بها الدولة. ولفت إلى ما يطفو على سطح المجتمع القطري لدى بعض الأسر من عادات دخيلة وممارسات أسرية خاطئة وغير سوية، تعود في معظمها إلى عوامل مادية والتأثر بالمحيط الإعلامي الخارجي.
وأضاف الباكر أن للجهات التعليمية والدعوية والإرشادية والثقافية دورًا بارزًا في الحفاظ على تماسك الأسرة، وتعزيز تكاثرها، وتقوية روابطها، وتحصينها ودعمها لمواصلة مسيرة الحياة. كما شدد على أن الجهات المعنية بتوفير سبل العيش الكريم، إلى جانب المؤسسات الخيرية، تتحمل مسؤولية كبيرة في مساندة المواطنين، والتكفل بالتزاماتهم المادية، وتوفير الدعم المالي لرب الأسرة، بما يمكنه من أداء دوره دون أعباء أو ضغوط. واعتبر أن الجهود المبذولة حاليًا قد تستدعي تضحيات أكبر، وإطلاق حملة وطنية شاملة تتناسب مع طموحات دولة قطر السياسية والاقتصادية والصناعية والاجتماعية، ومع مستهدفات رؤية قطر الوطنية 2030.
فهد سالم: العزوف عن الزواج المبكر أبرز الأسباب
قال فهد سالم إن الشباب اليوم يواجهون تحديات متعددة، في مقدمتها الزواج والإنجاب، موضحًا أن الزواج، الذي كان يُنظر إليه في الماضي بوصفه بداية للاستقرار، بات لدى بعض الشباب مصدرًا للضغوط والتحديات. وأشار إلى أن العزوف عن الزواج المبكر، وتأخير الإنجاب، والاكتفاء بطفل واحد أو طفلين، تُعد من الظواهر السلبية التي تُسهم في شيخوخة المجتمعات، إذ إن الهدف الأساسي من الزواج هو التكاثر وإنجاب الأطفال لضمان استمرارية النسل.

وأكد سالم أن تأخير الإنجاب لا يصب في مصلحة المجتمع، لما يحمله من تهديد مباشر للتركيبة السكانية، ونقص في العمالة الوطنية، وزيادة في الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن تقليص نسبة السكان الأصليين مقارنة بالوافدين، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي. وشدد على أهمية تضافر الجهود لنشر الوعي بين الشباب، ولا سيما المقبلين على الزواج، وإرشادهم إلى أهمية الإسراع في الإنجاب خلال السنوات الأولى من الزواج، وعدم الاكتفاء بإنجاب طفل أو طفلين فقط.
وأضاف فهد سالم أن مستوى المعيشة في الدولة مرتفع، وأن الدولة توفّر للمواطنين مختلف سبل الدعم والإمكانات للعيش الكريم، ما يعني عدم وجود ما يمنع من زيادة معدلات الإنجاب. وأكد أن الدولة بحاجة إلى رفع أعداد المواليد خلال السنوات المقبلة، باعتبار أن الاستثمار في العنصر البشري يُعد من أهم مقومات الدول في العصر الحديث، محذرًا من أن انخفاض معدلات المواليد يؤدي إلى ارتفاع نسبة كبار السن ونقص الشباب المؤهل للعمل، بما يهدد استدامة التنمية ويزيد الاعتماد على العمالة الأجنبية، وقد يفضي إلى تراجع نسبة المواطنين بما يؤثر في الهوية الوطنية والاستقرار الاجتماعي.
حمد عبد الله: تحديد النسل عادة دخيلة على المجتمع
أشار حمد عبد الله إلى أن قضية تأخير الإنجاب وتحديد النسل، التي باتت تنتشر بين بعض المتزوجين الجدد، تُعد ظاهرة دخيلة على المجتمع القطري، ويرجعها إلى ما وصفه بالغزو الثقافي القادم عبر بعض الأفلام والمسلسلات، التي تروّج لفكرة أن تقليل الإنجاب لدى المرأة العاملة يسهم في الحفاظ على مكانتها العلمية وحياتها الشخصية، مؤكدًا أن هذه مفاهيم غير صحيحة. وبيّن أن الهدف الأساسي من الزواج هو تحقيق الاستقرار الأسري وإنجاب الأطفال.

وأضاف أن دولة قطر، ودول الخليج عمومًا، تعاني من نقص في تعداد السكان، في وقت ما تزال فيه العمالة الوافدة تشكّل النسبة الأكبر مقارنة بعدد المواطنين، مشددًا على أن معالجة هذا الواقع لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تشجيع زيادة أعداد المواليد. وأكد أن ارتفاع معدلات الإنجاب سينعكس إيجابًا على مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتنموية في الدولة.
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير

