
هيئة الرقابة الإدارية والشفافية
الدوحة - قنا
تمثل قضية مكافحة الفساد أحد أهم تحديات المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين، وأكبر أولوياته في السنوات الأخيرة، بسبب تأثيراته المدمرة الواسعة النطاق.
وإيمانا من دولة قطر بأهمية هذا الملف الحيوي في برامج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بجانب حرصها على المساهمة الدائمة في دعم الجهود الدولية للوقاية من الفساد ومكافحته، فقد انبرت كعادتها لاستضافة الدورة الحادية عشرة لـ"مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد"، خلال الفترة من 15 - 19 ديسمبر الجاري، وهو المؤتمر الأهم والأكبر من بين المؤتمرات التي تعنى بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية على المستوى الدولي، حيث يجمع كل الدول الموقعة على "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد" البالغ عددها 192 دولة، إضافة إلى أكثر من 2500 مشارك من الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية، وخبراء مكافحة الفساد وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني والشباب.
وتشكل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد "الصك العالمي الوحيد" الملزم قانونيا لمكافحة الفساد؛ إذ إن نهج الاتفاقية بعيد المدى والطابع الإلزامي للعديد من أحكامها يجعلان منها أداة فريدة لوضع استجابة شاملة لمشكلة عالمية، حيث تغطي خمسة مجالات رئيسة هي: التدابير الوقائية، والتجريم وإنفاذ القانون، والتعاون الدولي، واسترداد الموجودات، والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات، بالإضافة إلى العديد من أشكال الفساد المختلفة، مثل الرشوة والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال الوظائف ومختلف أفعال الفساد في القطاع الخاص.
ووفقا لآخر نسخة من تقارير مؤشر مدركات الفساد السنوي الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في فبراير 2005، فإن أكثر من ثلثي بلدان العالم المشمولة سجلت درجات أقل من 50 من أصل 100 درجة على المؤشر، بينما ظل المتوسط العالمي للمؤشر دون تغيير عند 43، حيث يصنف مؤشر مدركات الفساد 180 بلدا وإقليما من خلال مستوياتها المدركة لفساد القطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (شديد النزاهة)، حيث تمثل إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة أبرز مظاهر الفساد.
وعلى الصعيد الدولي، حذرت منظمة الشفافية الدولية من أن مستويات الفساد العالمية لا تزال مرتفعة بشكل مثير للقلق، مع تعثر الجهود المبذولة للحد منها، وقالت المنظمة إن ما يقرب من 6.8 مليار شخص يعيشون في بلدان تقل درجاتها على مؤشر مدركات الفساد عن 50 درجة، وهو ما يعادل 85 بالمئة من سكان العالم البالغ عددهم 8 مليارات نسمة.
أما على الصعيد العربي، فقد تصدرت دول مجلس التعاون الخليجي وبينها دولة قطر - بطبيعة الحال - قائمة إجراءات مكافحة الفساد، وأرجعت المنظمة التحسن الملحوظ والدرجات المرتفعة نسبيا في دول مجلس التعاون الخليجي إلى البدء بتجربة الاستثمار في الحلول التكنولوجية للإدارة العامة والمعروفة باسم الحوكمة الإلكترونية.
وكانت الخبرات المتراكمة لدولة قطر في تنظيم مثل تلك المؤتمرات وسمعتها الدولية في إنجاح مثل هذه الفعاليات العالمية سببا مباشرا في تكليف الأمم المتحدة لاحتضانها اجتماعات المؤتمر للمرة الثانية بعد عام 2009، بعد أن وقع الاختيار عليها بمقر انعقاد الدورة العاشرة من المؤتمر، والذي جاءت تحت شعار: "20 عاما على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد: نحو عالم متّحد ضد الفساد" في مدينة أتلانتا بالولايات المتحدة الأمريكية خلال ديسمبر عام 2023.
وحسب هيئة الرقابة الإدارية والشفافية في دولة قطر، وهي الجهة الراعية والمنظمة لفعاليات المؤتمر، فإن الأنشطة ستتركز على مناقشة العديد من القضايا المتعلقة بمكافحة الفساد في الدول الأعضاء والإجراءات القانونية المتبعة من قبل الجهات المختصة، بمشاركة رفيعة المستوى تشمل رؤساء دول ووزراء وقادة أجهزة إنفاذ القانون وهيئات النزاهة ومكافحة الفساد.
وأوضح سعادة السيد حمد بن ناصر المسند رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، خلال مؤتمر صحفي عقد في التاسع من ديسمبر الجاري للإعلان عن فعاليات المؤتمر، أن استضافة دولة قطر لهذا المؤتمر تجسد التزامها العميق بتعزيز العمل متعدد الأطراف وترسيخ منظومة الحوكمة الرشيدة، بما يتسق مع رؤية قطر الوطنية 2030، ويعكس دورها الفاعل في دعم تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد منذ المصادقة عليها والمساهمة في آلياتها، لا سيما استضافة الدورة الثالثة عام 2009 التي شهدت اعتماد الشروط المرجعية لآلية استعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وإطلاق المرحلة الأولى لآلية الاستعراض.
ولفت سعادته إلى تنظيم نحو 120 فعالية جانبية رسمية للمؤتمر، و12 مشروع قرار قيد التفاوض حاليا، إضافة إلى فعاليات تسبق الأعمال الرسمية، على رأسها المنتدى الأكاديمي الخامس لمكافحة الفساد، الذي خصص هذا العام لاستعراض أحدث الأبحاث المتعلقة باستخدامات الذكاء الاصطناعي في جهود مكافحة الفساد بمشاركة 150 باحثا وأكاديميا، معتبرا المؤتمر ليس محطة لمراجعة الإنجازات فحسب، بل منصة لتجديد الإرادة الدولية وتعزيز التعاون وبناء القدرات، خاصة في الدول النامية.
ويجمع الخبراء على أن نجاح الجهود الدولية في مواجهة آفة الفساد وتهديداتها بتقويض التنمية وإفشال الإصلاح الاقتصادي وآليات تجاوز البيروقراطية، سيثمر نتائج إيجابية على المنظور القريب والمتوسط بشكل يتيح المشاركة المجتمعية في البناء واتخاذ القرارات، ويوقف الفوضى وعدم الاستقرار، وبالتالي، فإن نجاح هذه الجهود ستوفر آليات عملية ترسخ مفاهيم العدالة والمساواة وتوزيع الثروات، وتوقف الهدر واستئثار مجموعة بشرية دون أخرى بمصير البلدان وقدراتها البشرية والمادية.
وفي هذا السياق، لا بد من اتخاذ إجراءات ملموسة الآن لمعالجة الفساد العالمي عبر جهود جماعية لا تنفصل عن جهود كل بلد على حدة، بأن تجعل الحكومات تفكيك شبكات الفساد ونشر ثقافة احترام المال العام وخدمة الناس دون استغلال أولوية قصوى وطويلة الأمد، فهي كفيلة بردم الفجوات بين الطبقات المجتمعية، وطريق سديد لمقاومة الاستبداد وضمان عالم سلمي وحر ومستدام.
ومن الجدير بالذكر أن دولة قطر، في إطار جهودها الرائدة لتعزيز التعاون الدولي للوقاية من الفساد ومكافحته، كانت من أوائل دول العالم التي استضافت مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث استضافت الدوحة الدورة الثالثة للمؤتمر عام 2009، وخلال تلك الدورة تم تبني آلية الاستعراض الأممية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي ما زالت تلعب الدور الأكبر في تعزيز تنفيذ الاتفاقية وتبادل الخبرات الدولية ذات الصلة.
وتجسيدا لالتزام دولة قطر بالتجديد الذاتي وتبني سبل الإصلاح ودعم جهود مكافحة الفساد، فقد استبقت هيئة الرقابة الإدارية والشفافية انعقاد المؤتمر الدولي، بتدشين استراتيجيتها الوطنية لتعزيز النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد 2025 - 2030، والذي نظمته هيئة الرقابة الإدارية والشفافية بفندق شيراتون الدوحة في الثامن من أكتوبر الماضي، برعاية معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وبحضور سعادة السيد حمد بن ناصر المسند رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، وعدد من أصحاب السعادة الوزراء، وكبار الشخصيات، وممثلي الجهات الحكومية والخاصة.
وتأتي هذه الاستراتيجية استكمالا لنهج دولة قطر في ترسيخ قيم النزاهة وتعزيز الشفافية، بما ينسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030 والاستراتيجيات التنموية الوطنية المتعاقبة، وآخرها الاستراتيجية الثالثة للتنمية الوطنية (2024 - 2030)؛ بهدف تعزيز ثقة المجتمع ومؤسساته، وتوسيع نطاق الوعي المجتمعي خاصة لدى فئة الشباب، ودعم الشراكات الوطنية والدولية، وبناء رأي عام واع يسهم في جهود الوقاية من الفساد.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد سعادة رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية السيد حمد بن ناصر المسند أن الاستراتيجية تنطلق من رؤية وطنية ثاقبة، وإيمان راسخ بأن النزاهة ليست ترفا إداريا، بل ضرورة وطنية ومطلب تنموي وأساس أخلاقي، يعزز ثقة المواطن والمقيم في مؤسسات الدولة، ويكرس ثقافة العمل المسؤول.
وترتكز الاستراتيجية على أسس راسخة تشمل: الدستور الدائم لدولة قطر، والإرادة السياسية للدولة، والقيم الدينية والاجتماعية، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، كما جاءت الاستراتيجية بخطة عمل شاملة تتضمن (78) مشروعا، تنفذها (16) جهة رئيسية و(35) جهة داعمة، تحت إشراف ومتابعة هيئة الرقابة الإدارية والشفافية.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير

