اخبار العرب -كندا 24: الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 07:27 صباحاً «نور» ... أسطورة الاتحاد تكتب فصولها بلغة السينما
لم يكن دخوله إلى قاعة السينما دخول نجمٍ يشاهد فيلماً عن نفسه، بل دخول أسطورة إلى مساحة أخرى من التأثير. حين ظهر لاعب الكرة السابق بنادي الاتحاد محمد نور على عتبة قاعة العرض في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، بدا المشهد مختلفاً عن كل ما سبقه في المهرجان: جمهور يقف، وتصفيق طويل، وهتافات كأنها آتية من مدرجات ملعب لا من مقاعد سينما، وصور وقمصان صفراء تحمل رقماً لم يعد رقماً عادياً... 18.
وسط هذا المشهد، وقف محمد نور، واضعاً يده على صدره، وقال بصوته المنخفض الواثق: «الحمد لله على كل حال». جملة بدت هنا أبعد من لازمة عابرة، وكأنها تختصر فيلماً كاملاً، بل حياة متقلبة ما بين الصعود والانكسار.
عرض استثنائي... وفيلم خارج التصنيفاتكان فيلم «نور» الوثائقي، من إخراج عمر المقري وإنتاج سعد تركستاني، العمل الوحيد ضمن قائمة أفلام المهرجان الذي تبدّلت معه طبيعة الحضور. هنا، لم يأتِ الجمهور لاكتشاف قصة مجهولة، بل ليُصافح ذاكرته، ويعيد مشاهدة زمنٍ عاشه هدفاً بعد هدف، وانتصاراً بعد آخر.
هذا العرض العالمي الأول لم يكن احتفاءً بلاعب كرة قدم فحسب، بل بتجربة إنسانية تقف على الحد الفاصل بين الفن والرياضة؛ بين الملعب بوصفه مسرحاً حياً، والسينما بوصفها سجلاً للذاكرة.
وفي هذا السياق، يوضح المخرج عمر المقري لـ«الشرق الأوسط» أن الرهان الأساسي في العمل لم يكن تقنياً، بل كان توثيقياً، مؤكداً أن الأرشيف هو العمود الفقري للفيلم الوثائقي. ويشير إلى أن جودة الصورة لم تشكّل عائقاً أمام استخدام المواد القديمة، ما دام كان الصوت واضحاً، لأن هذه اللقطات - بحسب تعبيره - أصبحت جزءاً من الماضي، وقيمتها تكمن في صدقها الزمني لا في صفائها البصري.
من حي الطندباوي... تبدأ الحكايةيفتتح الفيلم مشاهده الأولى بمحمد نور خارجاً من غرفة تبديل الملابس، في لقطة تختصر المعنى كله: لاعب لا يزال يُستقبل بالهتاف قبل دخول الملعب، مهما تغيّر الزمن.
ثم يعود السرد إلى حي الطندباوي في مكة المكرمة، حيث النشأة الأولى، والحارة التي لم يغادرها نور حتى اليوم. أصدقاء الطفولة، وعلى رأسهم رعد الهاشمي، يستعيدون صورة الفتى المتواضع الذي لم تغيّره الشهرة، بينما يروي شقيقه آدم نور، الحارس السابق، تفاصيل البيت الأول الذي تشكّلت فيه الصلابة.
ويستدعي الصحافي عبد الله فلاتة ذاكرة البدايات، حين كان يرى نور لاعباً ناشئاً قبل أن يصبح الاسم الذي تتوقف عنده شاشات التلفزيون، بالتوازي مع حديث حامد مؤذن، رئيس نادي حراء السابق، عن الانطلاقة الأولى قبل الانتقال إلى محطة الاتحاد.
في بداياته مع الاتحاد، حمل محمد نور الرقم 8، وهو رقمٌ كان - كما يروي الفيلم - محل قناعة الجميع بأنه يحمل سيرة مقبلة. ومع الصعود السريع في نهاية التسعينات، وتحديداً عام 1997، بدأت تتشكل شخصية القائد.
هدف خليجي لا يُنسى، بروز نجومية، انتقال إلى الرقم 18، ثم تحوّله إلى رمز. الرقم الذي قرر نادي الاتحاد حجبه رسمياً تكريماً للاعب، في سابقة نادرة في الكرة السعودية، ليصبح الرقم شاهداً لا يُستعار.
ويشرح المقري أن بناء هذه المرحلة اعتمد على خط زمني دقيق لمسيرة نور، سنةً بسنة، موضحاً أن فهم القصة هو المفتاح الحقيقي للوصول إلى الأرشيف، لا العكس.
تتحول قاعة السينما إلى مدرج لمشاهدة الأهداف. الصراخ يعود، والتصفيق يتكرر، والهتافات تعلو، كأن الجمهور لا يشاهد أرشيفاً بل مباراة حيّة.
ومن أكثر اللحظات تأثيراً، واقعة حادث السيارة عام 1997، حين رفض نور الذهاب إلى المستشفى رغم إصابته في الرأس، مفضلاً اللعب أمام فريق الأهلي في اليوم التالي. تتداخل الصورة مع صوت الجماهير وهي تردد «يا الله على بابك يا كريم». فتتحول الواقعة من خبر رياضي إلى مشهد درامي مكتمل الأركان.
القائد الذي صعد... ثم اصطدميقدّم الفيلم محمد نور كما عرفه الجمهور بأنه لاعب وسط هجومي بقدرات قيادية استثنائية، ذو رؤية واسعة، وتمريرات دقيقة، وسيطرة نادرة على إيقاع المباراة. الألقاب لا تُحصى: ثمانية ألقاب للدوري، ولقبان لدوري أبطال آسيا، وكؤوس محلية، وتمثيل المملكة في كأس العالم بنسختي 2002 و2006.
لكن السرد لا يتوقف عند القمم. يدخل إلى المنطقة الأكثر حساسية، حين تتحول العلاقة مع النادي إلى صدام. يقول نور بمرارة: «عدو الاتحاد كان من داخل الاتحاد».
إجازة تحولت إلى أزمة، وخلافات إدارية، وطلب فسخ عقد، ثم رحيل صادم عن الفريق الذي شكّل هويته الكروية.
لم يكن البُعد طويلاً. موسم واحد مع النصر أضاف لقبَي الدوري والكأس، قبل أن يعود نور إلى «بيته الأول». عودة لم تُلغِ الخلاف، لكنها أكدت أن العلاقة بين اللاعب والنادي عصيّة على القطيعة.
في الفصل الأكثر جدلاً، يتوقف الفيلم عند قضية المنشطات عام 2015. أربع سنوات إيقاف، ونتائج متضاربة، وانقسام جماهيري، ثم تبرئة لاحقة لا تمحو الأثر.
ويؤكد المخرج عمر المقري أن تناوله للقضية جاء دون رأي شخصي أو تبرير، معتمداً على ما قدمه الإعلام في حينه، إيماناً منه بأن الوثائقي يفقد مصداقيته إذا تجاهل اللحظات الجدلية، خصوصاً لجيل لم يعش تلك المرحلة.
حين تلتقي السينما بالملعبلا يعيد «نور» كتابة سيرة لاعب فحسب، بل يعيد تعريف علاقة الفن بالرياضة. يثبت أن الملعب قادر على إنتاج دراما حقيقية، وأن اللاعب يمكن أن يكون بطلاً سينمائياً دون افتعال.
في «مهرجان البحر الأحمر»، لم يكن محمد نور ضيف شرف، بل ذاكرة حيّة جعلت قاعة سينما تهتف كما لو كانت مدرجاً. وفي النهاية، تبقى الجملة التي افتتحت العرض وختمت الحكاية: «الحمد لله على كل حال...». جملة تختصر سقوطاً، وصعوداً، وصبراً، وحياة تستحق أن تُروى... لأكثر من ألف ليلة وليلة.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير
أخبار متعلقة :