اخبار العرب -كندا 24: الاثنين 15 ديسمبر 2025 11:15 صباحاً أطلق رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، يوم الاثنين، مقترحاً بعقد حوار «مباشر وشفاف» يضم ليبيا وتركيا ومصر واليونان، بهدف التوصل إلى إطار متوافق عليه لترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، متمسكاً برفض أي اتفاقيات لا تُعرض على مجلس النواب والحكومة المكلفة من جانبه، التي وصفها بـ«الشرعية».
ويأتي طرح صالح في سياق جدل دبلوماسي وقانوني ممتد منذ أكثر من ست سنوات حول ملف الحدود البحرية، تفجّر عقب توقيع مذكرة ترسيم حدودي بين حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، وتركيا في نوفمبر (تشرين الأول) 2019.
وقُوبلت هذه المذكرة، آنذاك، باعتراضات من البرلمان في شرق ليبيا، وكذلك من مصر واليونان، بوصفها تتجاوز حدودهما البحرية. غير أن تغيّر المعادلات الإقليمية والانفتاح التدريجي بين أنقرة وشرق ليبيا أعادا الملف إلى الواجهة، مع دعوات إلى إعادة صياغة مقاربة شاملة تراعي مصالح جميع الأطراف.
وبعد أقل من أسبوع من زيارة أجراها صالح إلى أثينا، ذهب مراقبون إلى أن هذا الملف تصدّر أجندتها. قال رئيس البرلمان، في حديث أدلى به إلى وكالة الأنباء الليبية (وال)، إن «الحوار المطلوب يجب أن يكون مباشراً وشفافاً، ويجلس فيه الفنيون قبل السياسيين من مصر واليونان وتركيا»، مشدداً على «الحاجة إلى خرائط وبيانات ودراسات جيولوجية وبحرية دقيقة».
وكشف صالح عن تشكيل لجنة خبراء لمراجعة ملف الحدود البحرية، على أن تُعد تقريراً شاملاً للجوانب الفنية والجيوسياسية مع الدول المعنية، مقترحاً ثلاثة مستويات للحوار مع الدول الثلاث: «فني تقوده لجان مختصة لترسيم حدودنا كاملة، وقانوني لدراسة الاتفاقيات والمعايير الدولية، وسياسي لضمان مصالح الدول وتوازناتها»، مؤكداً أن «تنفيذ ذلك بشكل صحيح سيؤدي إلى اتفاق عادل وطويل المدى».
وشدّد رئيس مجلس النواب على أن «أي اتفاقية لا تمر عبر البرلمان لا تُلزم الدولة الليبية»، مضيفاً: «الدول تتغير والحكومات تتغير، لكن الشرعية الدستورية ثابتة». وأضاف: «أخبرت الجميع أن أي اتفاق يجب أن يكون عبر الحكومة الشرعية المنبثقة عن مجلس النواب، وعلى الدول المعنية الجلوس معها على طاولة المفاوضات، على أن تُقدَّم الاتفاقية في شكلها النهائي إلى مجلس النواب للمصادقة عليها وفق السياق الدستوري».
واستعرض صالح تقييمه لمواقف الدول المعنية، لافتاً إلى أن «اليونان تعاملت بحدة في البداية؛ لأنها رأت أن الاتفاق يضر بمصالحها، لكنها اليوم تبدي استعداداً للحوار». أما مصر فقال إن «موقفها كان واضحاً ومتيناً منذ البداية، وأكدت أن الاتفاق لا يحقق استقرار المنطقة».
وتوجهت الأنظار مجدداً إلى هذا الملف في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على وقع مذكرة احتجاج أودعتها القاهرة لدى الأمم المتحدة، رفضت فيها مذكرة ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين طرابلس وأنقرة عام 2019، وعدّتها «باطلة» وتنتهك حقوقها البحرية.
وتزايدت التساؤلات حول مصير الاتفاقية في ظل تحسّن العلاقات بين شرق ليبيا وأنقرة بعد سنوات من الخصومة، حيث تُوّج هذا الانفتاح بزيارة رئيس الاستخبارات التركية إلى بنغازي في صيف العام الحالي، ما غذّى تكهنات برلمانية، ولا سيما في يوليو (تموز) الماضي، بشأن مراجعة محتملة للاتفاق تمهيداً لإعادة طرحه.
وأكد صالح موقفه قائلاً: «أنا شخصياً لست ضد الاتفاق مع تركيا، لكن الأمر يتطلب درسه عبر خبراء يقدمونه إلى الحكومة الشرعية، ثم تحيله هذه الحكومة إلى مجلس النواب للإقرار»، مضيفاً: «لا يتأتى ذلك إلا بعد حصر حدودنا وضمان عدم الاعتداء عليها من أي دولة من دول الجوار». وأضاف أن تركيا قالت إنها مستعدة للدخول في تفاوض شامل مع ليبيا.
واستبعد رئيس مجلس النواب الانحياز إلى أي محاور إقليمية في مسألة ترسيم الحدود البحرية، قائلاً: «ليبيا ليست طرفاً تابعاً لأحد. نحن دولة مستقلة ولنا علاقات مع الجميع، لكننا لا نقبل أن نكون أداة في تنافس إقليمي. مصلحتنا هي الأساس، وأي تفاوض يجب أن ينطلق من موقع الدولة ذات السيادة، لا من موقع الاصطفاف». وأضاف: «الحوار مع مصر مهم، لأنها دولة جوار وشريك أساسي في الأمن الإقليمي، واليونان دولة متوسطية لها مصالح مباشرة، وتركيا دولة ذات وزن وحضور تاريخي في المنطقة. لكن ليبيا ليست ملزمة بانحياز كامل لأي طرف، نحن نبحث عن توازن يحمي حقوقنا، ويضمن علاقات مستقرة مع الجميع».
وتوجه صالح إلى رفض قاطع لأي «تنازلات عندما يتعلق الأمر بالسيادة»، قائلاً: «السيادة خط أحمر»، وموضحاً: «قد تكون هناك ترتيبات فنية أو تعديلات بروتوكولية أو تنسيق مع الدول، وهذا ممكن»، لكنه عاد ليقول: «التفريط في حدود ليبيا البحرية غير وارد ولا ممكن ولا نقاش فيه».
وتسعى ليبيا، وفق مراقبين، إلى تثبيت حقوقها في حدودها البحرية الغنية بالنفط والغاز، وتعزيز موقعها في شرق المتوسط، في ظل تنافس إقليمي محتدم على النفوذ وموارد الطاقة، وهو ما يجعل ملف ترسيم الحدود «معضلة مركبة» تتطلّب مقاربة قانونية وسياسية متوازنة.
ويرى قانونيون، من بينهم أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الزبيدي، أن الموقف الليبي الأخير يمثّل خطوة مهمة نحو حسم ملف الحدود البحرية، بالنظر إلى «اتساع نطاقه ليشمل عدداً من الدول المتشاطئة في شرق المتوسط»، مؤكداً ضرورة اعتماده من مجلس النواب؛ إذ إن غياب هذا الاعتماد يجعله فاقداً لأي أثر قانوني، وفق ما صرّح به لـ«الشرق الأوسط».
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير




