اخبار العرب -كندا 24: الجمعة 12 ديسمبر 2025 06:15 صباحاً طوال العامين الماضيين، انشغلت النقاشات العالمية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي بمجموعة أسئلة بارزة: من يستخدم التقنية؟ وكيف تتوسع؟ وأي قطاعات تعيد تشكيل أعمالها حولها؟
إلا أن تعاوناً بحثياً بين «سيسكو» ومركز «وايز» (WISE) التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في جلسة خاصة حضرتها «الشرق الأوسط»، كشف عن أن عدد المستخدمين ليس سوى بداية القصة. فخلف موجة الحماس، يحدث تحول أعمق يتعلق بكيفية تأثير الحياة الرقمية على الاقتصادات والمهارات وحتى رفاهية الأفراد.
قاد الجلسة كل من جاي ديدريتش، نائب الرئيس الأول ومسؤول الابتكار العالمي في «سيسكو»، ورومينا بوريني مديرة مركز «وايز» (WISE) التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حيث قدّما واحدة من أوسع قواعد البيانات العالمية حول تقاطع الذكاء الاصطناعي والسلوك الرقمي والرفاه الإنساني.
ويبحث التقرير، ليس فقط في مدى انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بل في هوية المستفيدين ومن يتم استثناؤهم، وما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية.
إحدى أبرز نتائج التقرير هي الفجوة العمرية، حيث إن الشباب هم المحرك الأكبر لاعتماد الذكاء الاصطناعي عالمياً. وتشير البيانات إلى أن أكثر من 75 في المائة من المستخدمين تحت سن 35 يرون الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة مفيدة للعمل والدراسة وحل المشكلات اليومية.
وترى بوريني أن «الأجيال الشابة تتبنى هذه الأدوات بشكل أسرع، وغالباً ما ينظرون إليها على أنها امتداد طبيعي لحياتهم الرقمية»، لكن هذه السهولة لا تخلو من ثمن؛ فالفئة العمرية ذات أعلى تبنٍّ للذكاء الاصطناعي هي نفسها الأكثر تعرضاً لفرط الاستخدام الرقمي.
ويُظهر التقرير أن 38 في المائة من المشاركين عالمياً يقضون أكثر من خمس ساعات يومياً في استخدام ترفيهي لا علاقة له بالدراسة أو العمل، وهو عامل يرتبط مباشرة بانخفاض الرضا عن الحياة.
وتضيف بوريني أن «الوجود الرقمي أصبح جزءاً من معادلة الرفاه... المسألة لا تتعلق فقط بالوصول، بل بالتوازن». الرسالة واضحة، وتتمثل في أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي لا يكفي. ومع اندماج التقنية في الحياة اليومية، يصبح من الضروري إعادة التفكير في مفهوم «الصحة الرقمية».
إذا كان العمر يقسم استخدام التقنية، فإن الجغرافيا تقسم الفرص، فقد أظهرت نتائج البحث فروقات حادة، حيث تصدرت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا الاستخدام النشط، بينما جاءت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في مستويات أقل. للوهلة الأولى يبدو ذلك مفاجئاً؛ إذ تنتمي هذه الدول الأوروبية لاقتصادات متقدمة، لكن البيانات تكشف عن منطق مختلف.
يقول ديدريتش إن «بعض الأسواق الناشئة تتجاوز المراحل التقليدية... فهي تتبنى الذكاء الاصطناعي ليس كترقية، بل كضرورة»، فحيثما تتطور البنية التحتية الرقمية بسرعة، خصوصاً عبر الهواتف المحمولة، يصبح الذكاء الاصطناعي امتداداً طبيعياً للأدوات الرقمية؛ ليس رفاهية، بل حلاً لسد فجوات في التعليم والخدمات والرعاية. هذا يعيد تشكيل السرد الشائع؛ إذ إن التبنّي العالي لا يعني التطور دائماً، بل تعكس الحاجة والفرصة أحياناً الاضطرار.
المهارات لا الاتصالطوال سنوات، اعتبر صنّاع القرار أن الفجوة الرقمية هي مشكلة «وصول»، لكن دراسة «سيسكو - OECD» تقدم خلاصة واضحة، وهي أن الفجوة التالية ستكون فجوة المهارات؛ فحتى مع توفر الإنترنت، تختلف قدرة الناس على استخدام الذكاء الاصطناعي بفاعلية وأمان بشكل كبير.
وتلخص بوريني ذلك بقولها إن «الناس يحتاجون إلى أكثر من الوصول... يحتاجون إلى مهارات لفهم الذكاء الاصطناعي ومساءلته واستخدامه بطرق هادفة». غياب هذه المهارات يجعل المستخدمين أكثر عرضة للتضليل واتخاذ قرارات خاطئة، والتفاعل في بيئات رقمية غير آمنة، بالإضافة إلى فقدان فرص اقتصادية في الوظائف والأسواق الجديدة.
ويؤكد ديدريتش أن المهارات أصبحت شرطاً اقتصادياً أساسياً، ويضيف: «نحن لا ندرب الناس على استخدام الذكاء الاصطناعي فقط... بل على المنافسة في اقتصاد مدعوم بالذكاء الاصطناعي».
وأوضحت «سيسكو» أن البنية التحتية وحدها لا تكفي؛ فالاستثمار في الإنسان أصبح ضرورة لا تقل أهمية عن الاستثمار في التقنية.
ويشدد ديدريتش على أهمية البرامج التعليمية الواسعة التي تقدمها الشركة، خاصة للفئات المحرومة، مؤكداً «الحاجة لمجتمعات قادرة على الاعتماد على نفسها... ويتطلب ذلك شمولية في الابتكار والتعليم معاً».
ولأن أكاديمية «سيسكو» للشبكات واحدة من أكبر برامج التدريب في العالم، فإنها تتحول اليوم لتشمل مهارات الذكاء الاصطناعي والتحضير للأمن السيبراني، والمشاركة الرقمية المتوازنة. وخلال النقاش، قال ديدريتش: «علينا تصميم أدوات ذكاء اصطناعي تكون بديهية وسهلة الاستخدام لجميع الفئات العمرية».
الرفاه الرقميواحدة من أهم إضافات هذا التقرير هي إدخال مفهوم الرفاه ضمن تقييم أثر الذكاء الاصطناعي، وهو جانب غالباً ما تهمله التقارير التقنية.
وتوضح بوريني أن «الحياة الرقمية أصبحت عاملاً مؤثراً في السعادة... سلوك الإنسان على الإنترنت يؤثر على رفاهه مثل ظروفه خارج الإنترنت». وتشير البيانات إلى مجموعة مخاطر متصاعدة، منها الإرهاق الرقمي والإفراط في الاستخدام وصعوبة الانفصال وتعرّض المستخدمين لمحتوى ضار، وانخفاض الرضا لدى من يقضون وقتاً طويلاً على منصات الترفيه. ولا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي مضر بحد ذاته، بل إن غياب الوعي والضوابط قد يخلق آثاراً سلبية واضحة.
تسعى الدراسة إلى فهم التوزيع الحقيقي للفوائد والمخاطر، وليس فقط رصد معدلات الاستخدام. وتشير النتائج إلى أن الشباب هم الأكثر استفادة من إنتاجية الذكاء الاصطناعي، لكنهم الأكثر عرضة لمخاطر الرفاه.
الاقتصادات الناشئة تتبنى الذكاء الاصطناعي بسرعة، لكنها تواجه فجوات أعمق في الأمن الرقمي والمهارات. الدول المتقدمة ذات البنية الرقمية القوية لا تزال تعاني من تبنٍّ منخفض بسبب التردد الثقافي والتنظيمي.
هذه اللوحة المعقدة تنسف الفكرة السائدة بأن «زيادة المستخدمين تعني التقدم». الواقع أكثر تعدداً وتفصيلاً.
الذكاء الاصطناعي عادة ... لا موجة عابرةفي ختام الجلسة، شدد المتحدثان على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي انتقل من كونه تقنية تثير الفضول إلى جزء من الروتين اليومي لملايين البشر، لكنه قد يتحول إلى سبب لانقسام جديد إذا ركّز العالم على التبنّي وتجاهل التأثير.
ونوهت بوريني إلى «الحاجة إلى مزيد من الثقافة الرقمية، ومزيد من الابتكار المسؤول، وفهم أعمق لتأثير الحياة الرقمية على رفاه الناس».
وأضاف ديدريتش: «السؤال الحقيقي ليس من الذي يتبنى الذكاء الاصطناعي؟... بل من يستفيد منه وكيف نجعل الفائدة شاملة للجميع؟».
وتذكّر نتائج تقرير «سيسكو – OECD» أن مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس نقاشاً تقنياً فقط، بل هو نقاش اجتماعي واقتصادي وإنساني؛ فالانتشار الواسع مجرد بداية، أما ما سيأتي لاحقاً فهو ما سيحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قوة للاندماج... أم مصدراً جديداً للانقسام.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير





