اخبار العرب -كندا 24: الخميس 11 ديسمبر 2025 12:15 مساءً يظل حفل الزفاف على تنوع أشكاله وعاداته واحداً من أكثر الصيغ الفنية التي وظفها العديد من التشكيليين بمختلف الدلالات والتفاصيل لإبراز الفرحة والبهجة والحب بين المرأة والرجل، إلا أن الفنان المصري سامي البلشي يقدم رؤية جديدة مغايرة لهذا اليوم عبر 50 لوحة يضمها معرضه «ليلة فرح» المقام في غاليري «ضي الزمالك».
لم تكن قاعة الفرح سوى مسرح الحياة نفسه، ولم يكن التباين في الألوان والحالات التي تجسدها أعماله إلا تناقضات الحياة ذاتها، يقول الفنان سامي البلشي لـ«الشرق الأوسط»: «تناول معظم الفنانين ليلة العرس، لكنهم ركزوا خلال ذلك على الأجواء الاحتفالية والطقوس المرتبطة به كالحنة، والتحطيب وصواني الكعك والصباحية».
ويتابع: «لكنني هربت من ذلك كله، وقلت لنفسي حين أجسد الفرح فإنني سأقدم فرحاً مختلفاً، وهو فرح خاص جداً، ومعقد للغاية، وعلى المشاهد حين يتأمله أن يغوص في مفاهيمه وتعبيراته ولغته».
وانطلاقاً من ذلك الفكر حاول البلشي أن يقيم حواراً خاصاً على مسطح اللوحات، وأن يقدم حالة من الفرح من خلال اللون والضوء والحركة والحالة الانفعالية والعلاقة بين المفردات برغم ما يطرحه من قضايا تهدد المجتمع.
ولم يتأثر الفنان بضجيج «السوشيال ميديا» وما تبرزه أحياناً من أزمات صادمة: «ليست لي علاقة بـ(الميديا) وأخبارها وتحليلاتها الغريبة، لكني استلهمت لوحاتي من الناس المحيطين، الذين أعيش وسطهم».
ويواصل: «استوقفتني ممارساتهم وخلافاتهم وحالات الطلاق التي أراها كل فترة وجيزة، وعلى الجانب الآخر تأثرت بلا شك بالعديد من حالات الحب والانسجام والمودة والسعادة»، مشيراً إلى أنه تأثر بـ«الأطراح والأفراح»، وأعرب عن قلقه من «الأطراح» ووضعها تحت «الميكروسكوب»، وقرأها وتعمق فيها، محاولاً إيجاد الأسباب ورائها.
ومن هنا يجد المتلقي نفسه طرفاً في ما يدور على مسطح اللوحات؛ إذ يطرح الفنان حواراً مجتمعياً من خلال توظيفه للون والشكل والحركة والحالة التهكمية والفانتازيا في معالجة هذه القضايا، أو ما يطلق عليه الفنان مصطلح «الدبلوماسية الناعمة»، يقول: «أعتبر بعض الأطروحات التشكيلية التي أقدمها بمثابة ناقوس خطر لكن بلغة فنية مبسطة وسلسلة».
المغالاة في تكلفة الزواج، والطمع، وعدم الانسجام، والافتقار إلى التوافق الاجتماعي، والتفاوت البارز في العمر بين العروسين، وغياب القيم الجميلة المرتبطة بمفهوم الزواج؛ هي بعض من المشكلات التي تطرحها الأعمال، لكن تبقى قضية أخرى هي الأكثر حضوراً وخطورة في هذه الأعمال وهي الصراع بين الزوجين الذي يفرض نفسه أحياناً منذ «ليلة الفرح».
ويبرز الصراع في اللوحات، وكأنه وحش يدمر كل شيء؛ لأنه أصبح بالفعل خطراً حقيقياً، بحسب وصف البلشي، الذي يضيف: «لقد بات كل طرف يرغب في فرض سيطرته وقوته على الآخر، بدلاً من حالة التعاون والحب والمشاركة، وجاء معرضي ليبث رسائل تحذيرية».
ويعثر المتلقي على علاقات بعضها مشوه، وعناصر غير متوقعة في أعمال فنية تتناول «ليلة العمر»، مثل السكين التي تستخدمها المرأة - هذه المرة - لذبح القطة، أو العريس الذي ينشغل بالهاتف المحمول في «الكوشة»، أو ذلك الذي يركب الحمار بالمعكوس في دلالة على أنه «متجرس» (بسبب تراكم الديون)، أو «النائم في فرحه، أو أهل العروس الذين يتربصون للنيل من العريس، أو حلبة الملاكمة التي يتصارع فيها العروسان، أو الدبابة التي تقودها العروس تجاه زوجها».
وبرع البلشي في توظيف الرمزية لمزيد من التعمق في توضيح أفكاره مثل استخدامه لرموز البطيخ، والتفاح، والأواني الفارغة، ولا تنجو من هذه الحالات مختلف الطبقات الاجتماعية، فتطالعنا أيضاً في أفراح المناطق الشعبية وحفلات الفنادق الفخمة.
المدهش أنه يغلف كل تلك العلاقات والعناصر بحالة من البهجة التي يبثها رقص الألوان والخطوط والضوء في اللوحات، وهي وإن كانت تتوافق مع «ليلة فرح» لكنها تتناقض مع صعوبة ما تطرحه من قضايا وأزمات.
وتساءل البلشي حين شرع في العمل على اللوحات: «هل سأنجح في تحقيق ذلك بالفعل؟، هل سأتمكن من جعل اللون والضوء والخطوط ترقص وتبتهج رغم تناوله اللوحات من حالات جديدة وغريبة على مجتمعنا وتشكل خطراً حقيقياً عليه؟».
ووفق التشكيلي المصري فإن «فكرة المعرض القائمة على هذه التناقضات والتفاوتات التي لا يتم حسابها والتي تنذر بالفشل والصراع المستمر من قبل أن تبدأ الحياة الزوجية من الأصل، وهو ما أردته أن يصل للمتلقي من خلال (خداع اللحظة الأولى) من دون تعمق في المعرفة».
ويوضح: «إن البهجة الزائفة التي ينبهر بها المتلقي في الوهلة الأولى لمشاهدته اللوحات بسبب اللون والضوء على وجه الخصوص سرعان ما يكتشف أنها وهمية حين يتعمق في تأمل اللوحات، ويكتشف كم الصراع بين العروسين، بمعنى أنها إسقاط على حالة الانبهار التي تصيب البعض تجاه المظاهر الخادعة أحياناً، ويتم الاختيار والزواج بناءً عليها».
لكن من جهة أخرى، تقدم بعض اللوحات علاقات إيجابية بين العروسين: «الصورة ليست مظلمة تماماً، لكنها تتطلب التعقل والحكمة في الاختيار وفي تكلفة وشروط الارتباط مثل ما يعرف بـ(القائمة)، كما تقتضي العودة للمفهوم الصحيح من جديد لقدسية الزواج كما عرفه مجتمعنا قديماً» وفق البلشي.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير



