
❖ الدوحة - الشرق
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع النقل عالمياً، وما يصاحبها من ثورة رقمية وتوسّع في حلول النقل الذكي والمستدام، تواصل دولة قطر ترسيخ مكانتها كأحد أبرز نماذج التطوير المتكامل في المنطقة والعالم. ومع ما حققته الدولة خلال العقد الأخير من قفزات نوعية في البنية التحتية وشبكات النقل العام والطرق والخدمات اللوجستية، برزت الحاجة إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة أكثر طموحاً وشمولاً، تقوم على التحديث، والتحول الرقمي، والاستدامة، وتعزيز الشراكات.
وتسير دولة قطر بخطى متسارعة ومدروسة، نحو توفير منظومة مواصلات متكاملة، ونقل آمن ومستدام، يدعم ويعزز بيئتها الاستثمارية والاقتصادية، حيث تسير هذه المنظومة جنبًا إلى جنب مختلف عمليات التطوير، الرامية إلى جعل البلاد، مقصدًا هامًا للمستثمرين والسيَاح، في آن واحد.
- انطلاق الإستراتيجية… رؤية تتخطى المدى
وفي هذا السياق، جاءت استراتيجية وزارة المواصلات (2025–2030) لتشكّل نقطة تحول محورية في مسار التخطيط الوطني لقطاع النقل، وتمثل إطاراً استراتيجياً يعيد رسم مستقبل الحركة والتنقّل في قطر، ويضع أسساً واضحة لتطوير خدمات آمنة ومرنة وذكية، قادرة على تلبية متطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي خلال السنوات المقبلة.
دشّن معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، استراتيجية وزارة المواصلات (2025–2030) تحت شعار «تتخطى المدى»، إيذاناً بمرحلة جديدة من العمل المؤسسي الهادف إلى تطوير قطاع المواصلات وتعزيز دوره كركيزة للنمو الاقتصادي والاستدامة والابتكار.
تمثل الاستراتيجية خارطة طريق شاملة ترتكز على رؤية لمنظومة مواصلات متكاملة وآمنة ومرنة ومستدامة، ورسالة تهدف إلى الارتقاء بالكفاءة اللوجستية بما يدعم مستهدفات رؤية قطر الوطنية. وتشمل 125 مشروعًا منبثقًا عن 42 مبادرة، مع مشاركة فاعلة من القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 40%، بما يعزز تنويع الاقتصاد ويعمّق الشراكة التنموية.
وتستند الاستراتيجية إلى خمسة اتجاهات رئيسية ترسم أولويات المرحلة المقبلة:
تعزيز النمو الاقتصادي
رفع كفاءة الاستفادة من الخدمات
تطوير خدمات تتمحور حول العملاء
دعم الاستدامة ومرونة الشبكة
تنمية رأس المال البشري

النقل البري… نحو شبكة ذكية ومستدامة تخدم المستقبل
استطاعت دولة قطر بعد فترة وجيزة، إعادة تهيئة وتأهيل بنيتها التحتية لتتماشى مع خططها التطويرية لقطاع النقل، الذي يعد عصب الحياة الاقتصادية وشريانها الحيوي، حيث نجحت في نشر محطات شحن السيارات الكهربائية في مناطق مختلفة في الدولة، دعما لتوجهات توسع استخدام هذا النوع من المركبات، بأنحاء البلاد كافة.
ولإنجاح هذه الخطط، ونشر ثقافة المركبات الكهربائية، والتعريف بها على نطاق واسع، رافق نشر محطات الشحن، توعية مكثفة عن الأثر الإيجابي والبيئي لهذه المركبات، ومقدار خفضها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كون عامة الناس لا يعرفون الكثير عن هذه النقطة، التي تعتبر في غاية الأهمية، مما قد يجعلهم قلقين من عملية التحول نحوها.
- تقليل الانبعاثات
تسعى دولة قطر من وراء هذا التحول التدريجي إلى تقليل انبعاثات الكربون في قطاع النقل عبر دعم المواصلات العامة، إذ افتتحت في عام 2019، شبكة أنفاق أرضية بمقاييس عالمية، لقطارات سريعة (مترو)، تربط أجزاء عاصمتها ببعضها البعض، وعززتها كذلك بشبكة "الترام" في مدينة لوسيل، التي تعتبر أول مدينة ذكية في قطر، وشبكة أخرى في المدينة التعليمية، إضافة إلى إطلاقها شبكة حافلات عامة تعمل بالطاقة الهجينة، التي تستخدم البطارية الكهربائية إلى جانب الوقود الأحفوري.
وبحسب إحصاءات شركة مواصلات "كروة"، فإن قرابة 80 بالمائة من حافلاتها تعمل بالطاقة الكهربائية لخفض انبعاثات الكربون، ونحو 90 بالمائة من مركبات الأجرة الـ"تاكسي"، يستطيع العملاء طلبها عبر التطبيق.
كما تستخدم "كروة" الوقود الصديق للبيئة يورو فايف (Euro 5) الخالي من المادة الكبريتية، التي تسبب الانبعاثات الضارة الناجمة عن عملية الاحتراق، في حافلات نقل طلاب المدارس بغرض التحول نحو نقل أخضر قدر المستطاع.
- تحول رقمي
أطلقت وزارة المواصلات تطبيقها الإلكتروني الرسمي «درب» ليكون منصة موحدة تتيح للمستفيدين إنجاز معاملاتهم بسهولة وفي أي وقت. ويقدم التطبيق حالياً خدمات رقمية في النقل البري والبحري، على أن تتوسع لاحقاً لتشمل المزيد من الخدمات، في إطار خطة مستدامة لرقمنة القطاع.
وفي السياق ذاته، يعمل مكتب التحول الرقمي على تنفيذ «البوابة اللوجستية»، وهي منصة متكاملة تهدف إلى دمج الخدمات اللوجستية الحكومية والخاصة، وتحسين الدقة التشغيلية، وتوفير مرجعية موحدة للبيانات، بما يدعم صنع القرار ويعزز تنافسية الاقتصاد.

- النقل الذكي
أنجزت الوزارة 64% من مشروع استراتيجية وسياسات أنظمة النقل الذكي، الذي يعد أحد أهم مشاريع البنية التحتية المستقبلية. كما أجرت تجربة ميدانية لتطبيق الذكاء الاصطناعي في عمليات التفتيش وجرد أصول الطرق، مستخدمة تطبيقات الهاتف الذكي ونظم تصوير متقدمة، ليقوم نظام ذكي بتحليل حالة الرصف وعلامات الطريق.
وتعمل الوزارة على إنشاء مركز موحد لبيانات النقل لتحليل البيانات الصادرة من مختلف وسائل النقل وربطها برحلة المستخدم، ما يساعد على تحديد فرص التحسين وتطوير السياسات التشغيلية والاستراتيجية.
السيارات ذاتية القيادة… خطوة نحو الجيل الجديد من التنقل
تشرف الوزارة على تجارب تشغيلية لسيارات أجرة كهربائية ذاتية القيادة (المستوى الرابع) تنفذها شركة «مواصلات» (كروة)، وتشمل مرحلتين:
مرحلة التجارب دون ركاب
مرحلة التشغيل الكامل لنقل الركاب دون سائق بحلول الربع الأول من العام المقبل
وتمثل هذه الخطوة بداية تحول جذري في مستقبل النقل الحضري في قطر.
- تعزيز كفاءة الشبكة
تواصل الوزارة تنفيذ سلسلة من الدراسات الحيوية التي تستهدف تعزيز الربط وتقليل الازدحام، أبرزها:
استكمال دراسة محور الوعب لتعزيز الخدمات اللوجستية.
إنجاز 20% من دراسة محور الوكرة–الوكير لدعم القطاعات الاقتصادية.
دراسة محور الصناعية الغربي لتحسين البنية التحتية للنقل.
دراسة محور الدائري الثالث لدعم الوصول إلى مواقع استراتيجية مثل مطار حمد الدولي.
كما استكملت الوزارة 97% من مشروع دراسة الازدحامات المرورية، بهدف تقليل زمن الرحلات وخفض استهلاك الوقود والانبعاثات.
النقل العام… رؤية تمتد حتى 2050
أطلقت الوزارة مشروع الخطة الشاملة للنقل العام (2025–2050)، الذي يقوم على تحليل تفضيلات التنقل لدى سكان الدولة بهدف بناء منظومة حديثة وعالية الجودة.
وتماشياً مع أهداف الاستدامة، وصلت نسبة الحافلات الكهربائية إلى 74% من أسطول النقل العام، مع استمرار العمل لتحقيق 100% بحلول عام 2030.
شبكات الدراجات… بنية مستدامة وصحية
استكملت الوزارة تحديث الخطة الشاملة للدراجات الهوائية، والتي تشتمل على:
4,400 كيلومتر من المسارات
500 تقاطع آمن
6 مراكز خدمية
إضافة إلى 17 سياسة و18 برنامجاً تشجع على استخدام الدراجات كوسيلة نقل صحية ومستدامة.

- مترو الدوحة
رسّخت شركة سكك الحديد القطرية «الرّيل» حضورها كعنصر محوري في رسم مستقبل النقل الحضري المستدام في دولة قطر، مؤكدة دورها كأحد أبرز المشغلين الإقليميين لأنظمة النقل الجماعي المتطورة، وتؤكد إنجازات عام 2025 التزام شركة الرّيل الثابت بتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030 عبر تطوير شبكة نقل حديثة، آمنة وصديقة للبيئة، تعتمد الابتكار والتقنيات الذكية وتضع الاستدامة في جوهر عملياتها التشغيلية.
وبهذه الخطوات المتسارعة، تواصل شركة الرّيل ترسيخ مكانتها كشريك رئيسي في بناء مستقبل نقل حضري مستدام يواكب النمو التنموي للدولة ويعزز جودة الحياة لسكانها وزوارها.

النقل الجوي… ريادة دولية وتبنٍ مبكر لتقنيات المستقبل
يُعدّ النقل الجوي في دولة قطر أحد أعمدة التطور الاقتصادي والنهضة المتسارعة التي تشهدها البلاد، إذ أسهمت الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والمطارات الحديثة في ترسيخ مكانة قطر كمركز عالمي للطيران. ويواصل القطاع تحقيق قفزات نوعية بفضل الابتكار، وجودة الخدمات، والالتزام بأعلى معايير السلامة، ما جعل النقل الجوي رافداً رئيسياً لدعم السياحة والتجارة وربط الدولة بالعالم بكفاءة وموثوقية استثنائية.
التاكسي الجوي… حقيقة تتجسد في سماء الدوحة
أطلقت الوزارة تجربة التاكسي الجوي الكهربائي ذاتي القيادة، في خطوة رائدة إقليمياً. انطلقت الرحلة التجريبية بين ميناء الدوحة القديم والحي الثقافي «كتارا» دون أي تدخل بشري، اعتماداً على أنظمة قيادة ذاتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي والملاحة الجوية المتقدمة.
وتعمل الوزارة حالياً على إعداد الأطر الفنية والتنظيمية لإطلاق الخدمة تدريجياً، بما يضمن دمجها في شبكة النقل الوطنية بشكل آمن ومتناسق.
تعزيز المكانة الدولية لقطاع الطيران القطري
حققت دولة قطر إنجازاً بارزاً بفوزها بعضوية مجلس منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) للمرة الثانية عن الفئة الثالثة للأعوام 2026–2028، بحصولها على 170 صوتاً، تأكيداً على ثقة المجتمع الدولي بدورها الحيوي في تطوير الطيران المدني.
كما فازت قطر للمرة الثالثة على التوالي بعضوية المجلس التنفيذي للمنظمة البحرية الدولية (IMO) ضمن الفئة “C”، مما يعكس حضورها الدولي المتنامي وفاعلية مشاركتها في صياغة السياسات التنظيمية العالمية.

النقل البحري.. بنية تدريبية وتشريعية تقود التميز الإقليمي
يشكّل النقل البحري في دولة قطر ركيزة أساسية في منظومة المواصلات والخدمات اللوجستية، نظراً لدوره المحوري في دعم التجارة الدولية وتعزيز ارتباط الدولة بالأسواق الإقليمية والعالمية. ومع التطور المتسارع للموانئ والبنية التحتية البحرية، أصبحت قطر إحدى الوجهات الرائدة في الشرق الأوسط في كفاءة التشغيل، وسلامة الملاحة، وتبني التقنيات الحديثة. ويواصل القطاع البحري القطري ترسيخ مكانته بوصفه عنصراً حيوياً في النمو الاقتصادي والتنويع والاستدامة.
ميناء حمد
يعدّ ميناء حمد أحد أهم الموانئ البحرية في المنطقة وأحد أكبر المشاريع اللوجستية في تاريخ دولة قطر، حيث يمثل بوابة رئيسية للتجارة الدولية وحلقة محورية في سلاسل الإمداد الوطنية. وقد استطاع الميناء، بفضل بنيته التحتية المتطورة وتقنياته الحديثة، أن يصبح مركزاً إقليمياً رائداً في المناولة والشحن وإعادة التصدير، مساهماً في تعزيز الأمن اللوجستي للدولة وتنويع اقتصادها. كما يلعب ميناء حمد دوراً أساسياً في دعم الاستراتيجيات الوطنية للنقل البحري وتسهيل الحركة التجارية بكفاءة وموثوقية عالية، حيث يتميز بشبكة نقل متنامية تربطه مع أكثر من 100 ميناء حول العالم، مما يعزز من منظومة النقل البحري في قطر.
ميناء الدوحة
تم تدشين مركبين بحريين يعدان الأحدث في أسطول مواني قطر، ويعد مركب (الجرولة) المتعدد الاستخدامات الذي يحتوي على معدات مكافحة التلوث الزيتي ومزود بنظام لتنظيف المخلّفات من على سطح البحر، ويتم استخدامه في تنظيف أحواض كل من ميناء حمد، وميناء الدوحة، وميناء الرويس بأفضل الطرق الصديقة للبيئة. ويبلغ طول المركب 12.6 متر مع غاطس يصل عمقه إلى متر، ويحتوي على خزان لتجميع الزيوت المنسكبة تصل قدرته الاستيعابية إلى 25 ألف لتر، مما يمكنه من تجميع مخلفات الزيوت على رقعة 200 متر.
فيما يستخدم مركب (الصملة) الذي يبلغ طوله 32.7 متر في صيانة المساعدات الملاحية من عوامات ومنارات تنتشر على طول السواحل والممرات المائية في قطر، إضافة إلى صيانة الموانئ التجارية والسياحية، مما يساهم في ضمان حركة آمنة وفعالة لكافة أنواع السفن في المياه القطرية.
ويعكس تدشين المركبين التزام وزارة المواصلات بحماية البيئة البحرية وأمن وسلامة الملاحة البحرية في الدولة، بما يدعم تحقيق أهداف الخطة الوطنية لمكافحة التلوث الزيتي والمعاهدات الدولية والاقليمية بهذا الجانب.
كما تعمل الوزارة على إعداد القانون البحري الموحّد ليواكب الممارسات الدولية الحديثة، ويعزز البيئة التشريعية للقطاع، ويضمن تنافسية قطر على الصعيد البحري الدولي.
ونفذت الوزارة برامج تدريبية متخصصة بالتعاون مع هيئات التصنيف الدولية لرفع كفاءة العاملين وتعزيز معايير السلامة والجودة البحرية، ما يسهم في تطوير رأس المال البشري وبناء قطاع بحري مستدام.

مركز التدريب البحري والمحاكاة
شهد القطاع البحري تقدماً نوعياً بافتتاح مركز التدريب البحري والمحاكاة في جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا، وهو الأول من نوعه في قطر، ويعتمد على أحدث تقنيات المحاكاة للفئتين (A) و(C)، بما يشمل محاكاة غرف القيادة والمحركات، ومرافق تدريب على السلامة ومكافحة الحرائق والإسعافات الأولية.
يهدف المركز إلى تنمية المهارات العملية ورفع كفاءة الكوادر الوطنية وفق معايير المنظمة البحرية الدولية (IMO)، مع تعزيز التعاون الأكاديمي عبر مذكرات تفاهم مع الجامعة.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير





