Arab News 24.ca اخبار العرب24-كندا

العائدون إلى سوريا: "نبدأ من الصفر، لكننا لم نعد لاجئين"

الاثنين 8 ديسمبر 2025 02:52 مساءً صدر الصورة، Kasim Yusuf/Anadolu via Getty Images

التعليق على الصورة، في 7 ديسمبر 2025، خرج سوريون في مدينة حلب حاملين الأعلام السورية، مردّدين شعارات تؤكد على وحدة البلاد وسلامة أراضيها.
Article Information
    • Author, فاندانور أوزتورك
    • Role, بي بي سي - أنقرة
  • قبل 16 دقيقة

"أمضينا سنوات نتعلم لغة ليست لغتنا. الآن يتحدث أطفالي التركية بطلاقة، لكنها بلا جدوى في وطنهم" هكذا قال مهند، أحد العائدين إلى سوريا مع أسرته بعد سبع سنوات قضاها في تركيا، ليجد أن بلاده التي غادرها عام 2018 قد تغيرت تماماً، واضطر إلى أن يبدأ حياته من الصفر مرة أخرى.

ولقد أودت الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا عام 2011 بحياة مئات الآلاف، وأجبرت ملايين السوريين على النزوح. وتشير التقديرات إلى أن نحو 16.5 مليوناً في أنحاء البلاد بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

ولا يزال أكثر من ستة ملايين سوري في حالة نزوح داخلي، وفقاً لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.

وأعلنت بعثة المنظمة في سوريا أنه منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024، عاد نحو 782,000 سورياً من الخارج إلى بلادهم، بينهم 550,000 شخصاً عادوا من تركيا، بحسب الأرقام التي كشف عنها وزير الداخلية التركي علي يرليكايا.

"أطفالي لا يعرفون القراءة أو الكتابة"

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، في حلب، يذهب الأطفال إلى مدارسهم بين المباني التي دمّرتها الحرب.

مهند، الذي كان الطهي مهنته الأساسية، فقد ذراعه في الحرب، وما زال يعيش وفي جسده شظية لم تُستخرج حتى الآن.

واليوم، يعمل شقيقه طاهياً في محل الحلويات العائلي الذي افتتحوه في إدلب، بينما يتولى مهند مسؤولية المبيعات.

ويدرس جميع أبناء مهند السبعة في المدارس الحكومية، لكن الذين بدأوا تعليمهم في تركيا يواجهون أكبر الصعوبات مع اللغة.

وقال مهند: "يمكنهم التحدث بالعربية لكنهم لا يعرفون قراءتها أو الكتابة بها. إحدى بناتي تذهب إلى المسجد لتعلم العربية. أما ابنتي الكبرى، وهي في الصف السابع، فتواجه صعوبة كبيرة لأنها لم تدرس العربية من قبل".

ويشتكي مهند من أزمة السكن وارتفاع تكاليف المعيشة، موضحاً أن إيجارات المنازل الصالحة للسكن تتراوح بين 300 و500 دولار.

وأضاف: "منزلي مجرد جدران إسمنتية بلا طلاء أو أرضيات، ومع ذلك أدفع 120 دولار إيجاراً. قد يراه البعض مبلغا زهيداً، لكنه بالنسبة لدخلنا مرتفع جداً".

وأضاف أن خدمات البنية التحتية الأساسية ضعيفة للغاية، وأنهم يشترون المياه من أصحاب الآبار.

وهناك خزانات مياه فوق معظم المنازل، فيما تنقطع الكهرباء يومياً لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات.

وفي المنطقة التي يقطنها مهند، على بُعد 25 كيلومتراً من مركز المدينة، لا يوجد سوى مركز صحي صغير.

وعندما احتاجت ابنته إلى رعاية مركزة، اضطر لدفع 50 دولار في الليلة بمستشفى خاص.

"كان من المفترض أن تبقى لسبعة أيام، لكننا لم نستطع دفع سوى تكاليف يومين فقط. واضطررت إلى توقيع ورقة أتحمل فيها كامل المسؤولية لأننا أنهينا العلاج قبل اكتماله".

وبعد رحلة استغرقت 12 ساعة بالحافلة من أنقرة، وصلوا إلى المعبر الحدودي عند الفجر، وبعد ساعات من الانتظار دخلوا سوريا.

ويقول مهند عن هذه التجربة: "العودة إلى وطني شعور لا يوصف. أثناء وجودي في تركيا كنت أخشى الموت في أرض غريبة دون أن أرى بلدي مجدداً. والآن أنا مع أسرتي، أشعر بالسلام، وأشعر أنني في بيتي".

"جميع المدن تعاني من نقص الكهرباء"

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، أطفال يتوجهون إلى مدارسهم برفقة أهلهم في داريا جنوب سوريا التي ما تزال تحمل آثار الحرب

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها بعثة المنظمة الدولية للهجرة في سوريا مع القسم التركي في بي بي سي، فإن التضخم وتكاليف المعيشة يرتفعان بسرعة، والخدمات العامة غير كافية.

وتعاني جميع المحافظات السورية من محدودية إمدادات الكهرباء، وتفاقم الفقر الشديد، كما أن أكثر من 70 في المئة من إجمالي 122 مستشفى عاماً في سوريا لا يتمتع بالكهرباء بانتظام.

ويمثل السكن مشكلة كبيرة، خصوصاً في المناطق الريفية من حلب وحمص ودمشق، إذ أكد حوالي 90 في المئة من النازحين أن منازلهم تحتاج إلى إصلاح أو إعادة بناء بعدما دُمّرت أو أصبحت غير صالحة للسكن.

وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن مغادرة الكوادر المؤهلة للبلاد أدت إلى تراجع القدرة وجودة الخدمات في القطاعات الحيوية مثل الصحة.

وقالت المنظمة في بيان بهذا الشأن: "تدهور الخدمات الأساسية (خاصة المياه، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والبنية التحتية العامة) يشكل ضغطاً هائلاً على الخدمات الصحية والمجتمع بأسره."

"لم أعد أشعر أنني غريبة حيث أعيش"

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، لا تزال المدارس في سوريا تفتقر إلى أبسط الاحتياجات الأساسية لتوفير الخدمات التعليمية

بعد 11 سنة قضتها في تركيا، عادت ميساء إلى دمشق حيث تعمل اليوم معلمة للحرف اليدوية في إحدى المدارس، بينما يدير زوجها متجراً صغيراً للبقالة.

وقالت ميساء: "عمري 37 سنة، ومع ثلاثة أطفال، عليّ أن أعيد بناء حياتي من جديد، من إيجاد منزل، وتأثيثه، وتلبية الاحتياجات اليومية. الأمر صعب للغاية."

وبسبب ارتفاع الإيجارات، تعيش ميساء مع أسرة زوجها، حيث يقطن 12 شخصاً في منزل واحد.

وتصل المياه إليهم مرة واحدة في الأسبوع، فيما لا تتوافر الكهرباء إلا ست ساعات يومياً، مؤكدةً: "لا نستطيع الاستحمام إلا في أيام محددة، ولا أستطيع تشغيل الغسالة إلا حال توافر الكهرباء".

وعن الرعاية الصحية قالت: "هناك جهود جدية لتحسين المستشفيات الحكومية. ورغم الظروف القاسية، فإن الأطباء السوريين يتمتعون بكفاءة عالية."

وأوضحت ميساء أن سوريا التي تركتها، تختلف تماماً عن سوريا التي وجدتها عند العودة، لكنها تحمل آمالاً كبيرة في مستقبل حر.

وقالت: "أعيش في بلدي وأستطيع التعبير عن آرائي بحرية. أنا جزء من هذا المجتمع، أنتمي إليه، ولم أعد خائفة كما كنت في السابق. إذا رأينا خطأ يمكننا القول إنه يجب إصلاحه دون خوف من الاعتقال. لم أعد أشعر أنني غريبة حيث أعيش. لم أعد لاجئة، وهذا شعور رائع."

أما فرح (18 عاماً) المقيمة في حلب، فتقول إن ذكرياتها كلها مرتبطة بتركيا التي وصلت إليها وهي في التاسعة من عمرها، ولو كان الأمر بيدها لعادت إليها.

وقالت فرح: "لا أتذكر كيف كانت سوريا من قبل؛ حياتي كلها كانت في تركيا. هذا المكان صعب جداً بالنسبة لي".

ما العوامل التي تؤثر في قرار العودة؟

وفقاً لدراسة أجرتها شركة إتش سي جي كونسلتنغ "HCG Consulting" بعنوان "ممارسات عودة السوريين في تركيا"، هناك عوامل متعددة تتدخل في قرار العودة.

ويقول الباحث سركان دِنلي إن هذا القرار لا يعتمد فقط على التطورات السياسية، بل يتأثر أيضاً بالظروف الأساسية مثل الأمن، والبنية التحتية، والسكن.

وأشار دنلي إلى أن السوريين المقيمين في المناطق الريفية لا يستطيعون اتخاذ قرار العودة دون معاينة منازلهم وأحيائهم، ومعظمها متضرر بشدة أو غير صالح للسكن.

فبعض العائدين سافروا إلى سوريا بعد مواجهة أوضاع معيشية صعبة في تركيا، فيما تمكن آخرون من ادخار ما يكفي هناك لتمويل عودتهم.

وأكد دنلي أن الاحتياجات التي لم تُلَبَ بعد في قطاع التعليم، تؤثر أيضاً على قرارات العودة، إذ أن الكثير من المدارس لا تزال مدمرة وتفتقر إلى التجهيزات والمعلمين.

وأضاف أن غياب آليات الدعم الاقتصادي سيحول دون سرعة وتيرة العودة، ولا يتوقع عودة على نطاق واسع في السنوات المقبلة، مؤكداً أن ما لا يقل عن نصف المهاجرين قد استقروا بشكل دائم.

"تطور بطيء لكن بثبات"

التعليق على الصورة، متجر الحلويات الذي يديره مهند مع شقيقه في إدلب

ويقول كورشاد شاهين، مؤسس شركة ميدينيا للاستشارات الإقليمية وتطوير الأعمال المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا: "بعد فترة طويلة من العزلة والقمع التي فرضتها الحرب، يمكننا لمس شعور بالارتياح والتفاؤل".

ويشرح شاهين أن سوريا، التي حُكمت لسنوات دون شفافية، بدأت الآن في إعادة بناء هيكلها التشريعي والإداري.

وأشار إلى أن مشكلة الكهرباء لم تُحل بعد حتى في دمشق، ما يؤثر سلباً على جميع جوانب التنمية؛ شارحاً: "هناك جهود مكثفة لتجديد خدمات البنية التحتية بموارد محدودة. وفي محاولة لإيجاد مصدر دائم للطاقة، يُعتمَد على حلول مؤقتة ومولدات."

ولا يزال المستثمرون مترددين، والاستثمارات في سوريا لا تأتي بالوتيرة المتوقعة، وفقاً لشاهين الذي شدد على أن التنمية الاقتصادية مستحيلة من دون استثمارات أجنبية.

وأضاف: "بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، من المتوقع تدفق المزيد من رؤوس الأموال من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.

"إذا لم يتوافر التمويل، ستستمر الخدمات في التدهور"

التعليق على الصورة، رسومات على جدار مدرسة في دمشق

وتؤكد بعثة المنظمة الدولية للهجرة في سوريا أنه لا توجد مدينة في البلاد "مناسبة بالكامل" من حيث مستوى الأمن والخدمات المتاحة.

واعتبرت المنظمة أن أبرز العقبات أمام عودة السوريين إلى بلادهم تتمثل في استمرار انعدام الأمن، ونقص السكن وفرص العمل، وضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وقالت المنظمة: "ما لم يتوافر تمويلٌ عاجل ومستدام، سيستمر تدهور الخدمات الأساسية مثل المياه، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والكهرباء، والتعليم".

تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير

أخبار متعلقة :