اخبار العرب -كندا 24: السبت 27 ديسمبر 2025 07:51 صباحاً دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- خلال السنوات الأخيرة، بدأت المتاحف والمؤسسات الثقافية باتخاذ خطوات لمراجعة إرثها التاريخي، بينما تتصارع مع التاريخ الاستعماري للقطع الموجودة ضمن مجموعاتها.
وقد تصدّرت عناوين الأخبار أعمال فنية أُعيدت إلى بلدانها الأصلية، غير أن قضية الآثار غير المشروعة لا تزال إلى حد كبير بعيدة عن الأضواء.
لكن أحد الأشخاص عازم على تغيير هذا الواقع، وهو كريستوس تسيروغيانيس، عالم الآثار الجنائي اليوناني والمحاضر في جامعة كامبريدج.
قد يهمك أيضاً
وقد أمضى تسيروغيانيس، البالغ من العمر 52 عاماً، نحو عقدين من الزمن في تمشيط سجلات المتاحف ودور المزادات ومجموعات أخرى بحثاً عن آثار مهربة بطريقة غير مشروعة.
ونبّه تسيروغيانيس CNN، إلى قطعتين معروضتين للبيع لدى دار مزادات كبرى، كانتا قد مرّتا سابقاً عبر مهرّب سيئ السمعة أُدين قضائياً.
وكان من المقرّر أن تبيع دار "Bonhams" القطعتين ضمن مزاد أوسع للآثار بلندن في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلا أنهما سُحبتا من العرض بعدما أخطرت CNN الدار بوجود شكوك حول مصدرهما.
والعنصران المتنازع عليهما هما: تمثال يوناني لامرأة من الطين المحروق يعود تاريخه إلى الفترة ما بين 400 و200 قبل الميلاد، وجرّة "pelike" من الفخار ذات الشكل الأحمر يعود إلى الفترة ما بين 400 و300 قبل الميلاد.
وقد صُنعت القطعتان على يد حرفيين يونانيين في جنوب إيطاليا، وقد قُدرت قيمة كل منهما بما يتراوح بين 2,670 دولارًا و4,000 دولارات.
وفي بيان أرسلته دار "Bonhams" إلى CNN، ذكرت أنها سحبت القطعتين و"في انتظار إجراء مراجعة إضافية".
هذه الحادثة هي أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الاكتشافات التي توصل إليها تسيروغيانيس على مدى 19 عامًا الماضية، في مسيرة مهنية كرّسها للبحث في الشبكات الدولية لتهريب الآثار وتسليط الضوء على وجود قطع مسروقة في مؤسسات حول العالم.
وقال تسيروغيانيس لـCNN إن أبحاثه حدّدت أكثر من 1،700 قطعة مرّت عبر سلسلة من التجّار المشبوهين والناهبين والوسطاء، كما شارك بشكل مباشر في إعادة مئات القطع إلى السلطات في 15 دولة، من بينها مصر، واليونان، وتركيا.
وقد بدأت مطاردة عالمية للآثار المنهوبة من العصر الكلاسيكي بحدث درامي قبل 30 عامًا. وفي العام 1995، عندما قُتل شرطي إيطالي سابق يُدعى باسكوال كاميرا في حادث سير، عثر المحققون في صندوق القفازات بسيارته على مجموعة من الصور لقطع أثرية.
وعلى إثر ذلك، شنّوا سلسلة من المداهمات التي قادتهم إلى اكتشاف مذهل، أي مخطط مرسوم بخط اليد يوضح شبكة معقدة من المهرّبين الدوليين، تضمّنت أسماءً من لصوص المقابر إلى التجار الدوليين. واتضح أن كاميرا كان وسيطًا في هذه الشبكة الإجرامية.
وقد أدى هذا المخطط التنظيمي إلى تحقيق جنائي واسع النطاق طال بعض الشخصيات الرئيسية المذكورة فيه، من بينهم التاجران الإيطاليان جياكومو ميديتشي وجيانفرانكو بيتشينا، وكلاهما أُدين لاحقًا بتهم ذات صلة.
ورغم أن تسيروغيانيس لم يكن طرفًا في هذا الاكتشاف المذهل قبل ثلاثة عقود، إلا أنه أصبح أداة أساسية في عمله، ضمنًا أحدث نتائجه المتعلقة بمزاد "Bonhams".
إلى جانب كونه محاضراً زائراً بعلم الآثار في جامعة كامبريدج، يعد تسيروغيانيس خبيراً في شؤون الآثار لدى المكتب الاتحادي السويسري للثقافة، كما يترأس أبحاث الاتجار غير المشروع بالآثار ضمن كرسي اليونسكو المعني بالتهديدات التي تطال التراث الثقافي في الجامعة الأيونية بمدينة كورفو في اليونان.
وتشمل أبحاثه الجنائية تمشيط القطع الأثرية التي تحتفظ بها المتاحف ودور المزادات والمعارض وغيرها، ومقارنتها بصور القطع الموجودة في أرشيف السلع المتاجر بها بشكل غير مشروع.
وبحسب تسيروغيانيس، فإن القطعتين المعروضتين في مزاد "Bonhams" هذا الشهر تظهران في أرشيف القطع التي تم الاتجار بها من قبل جيانفرانكو بيتشينا.
وقال: "كان بيتشينا واحدًا من أشهر مهربي الآثار سيئي السمعة". وفي العام 2002، داهمت الشرطة مقرات تعود لهذا التاجر في سويسرا، حيث صادرت العديد من الآثار غير المهربة. "لكن الأهم من ذلك هو اكتشاف أرشيفه، الذي احتوى على صور لعشرات آلاف القطع التي كانت قد بيعت على امتداد مسيرته المهنية، وبالتالي لم يُعثر عليها أثناء المداهمة".
قد يهمك أيضاً
وإلى جانب صور الآثار المفقودة، ضمّ الأرشيف وثائق موسعة وتفاصيل حول العديد من الأشخاص المتورطين في الاتجار غير المشروع.
وأضاف: "لقد أصبح هذا الأرشيف مصدرًا بالغ القيمة للمعلومات، في محاولة لتتبّع القطع والتعرّف عليها ومعرفة أماكن وجودها حاليًا".
وفي العام الماضي، سحبت دار "كريستيز" في نيويورك أربع مزهريات يونانية من المزاد بعدما تعرّف عليها في أرشيف بيتشينا.
وفي لندن هذا العام، قامت صالة "Kallos" للتحف بسحب جرّة خزفية (أمفورة) يونانية قديمة من البيع بعدما لفت تسيروغيانيس الانتباه إليها في أرشيف التاجر الإيطالي المدان جياكومو ميديتشي.
وقتها، صرحّت "كريستيز" لصحيفة "الغارديان"، التي نشرت خبر الاكتشاف، بأنها "تتعامل بجدية بالغة مع مسألة أبحاث المصدر"، وأن "أي ادعاء بأن كريستيز كانت على علم بأن هذه القطع مصدرها جيانفرانكو بيتشينا غير صحيح".
ومن جهتها، أفادت مادلين بيريدج، مديرة صالة "Kallos" للتحف، لصحيفة "The Observer" إنهم يبذلون قصارى جهدهم للقيام بواجبهم "على أكمل وجه"، مضيفة: "ليس لدينا أي اهتمام على الإطلاق بالتعامل في أعمال فنية مشبوهة، ونرحب بأي فرصة لإيجاد حلول عملية ومثمرة لهذه القضايا المعقدة".
هدف سهلللفن والجريمة تاريخ طويل ومشترك، لكن في حين أنّ البضائع المسروقة شديدة التميّز، مثل لوحة مشهورة، قد يكون من الصعب بيعها في السوق السوداء، فإن الاتجار غير المشروع بالآثار قد يكون مصدرًا سهلاً نسبيًا للمال بالنسبة للعصابات الإجرامية.
وقال تسيروغيانيس: "عندما نتحدث عادةً عن تهريب آثار، فإننا نعني الآثار التي جرى التنقيب عنها بشكل غير قانوني من الأرض".
وأضاف: "غالبًا ما يقوم الناهبون بالحفر داخل أسوار مواقع أثرية معروفة، لكنهم يعثرون في الغالب على مقابر ومستوطنات ومزارات لم يكتشفها علماء الآثار بعد. وفي مثل هذه الحالات، لا تعرف الدول المتضررة حتى أنها تعرضت للسرقة".
وتُعرض الأعمال الفنية والقطع التاريخية التي تُطرح في المزادات مصحوبة بتفاصيل عن مصدرها، وهو ما يوضح بشكل زمني تاريخ القطعة منذ إنشائها وحتى موقعها الحالي، أي الأيدي التي انتقلت بينها.
أما القطع المهرّبة بشكل غير مشروع فتطرح في السوق مع "سجلات مصدر مزيفة أو غير مقبولة وتكون غامضة أو ناقصة، وتستبعد دومًا المراحل السابقة الحيوية التي تُثبت الأصل غير المشروع للقطعة"، وفقا لتسيروغيانيس.
"نريد تنظيف مجموعتنا"إلى المتاحف ودور المزادات، يعتقد تسيروغيانيس، أن على الجامعات أن تُحاسب أيضًا. وأوضح أنّ "ما نفتقده مقرر دراسي مخصص لتهريب الآثار، من أجل تثقيف علماء الآثار، وأمناء المتاحف، والعاملين في سوق الفن، حول كيفية التصرف قانونيًا عندما يواجهون حتمًا قطعة غير موثّقة المصدر وغر مشروعة. لا أحد يدرّس ذلك في أي مكان في العالم، وهناك سبب لذلك".
وأضاف: "الجامعات تتلقى أموالًا من متبرعين يكون لدى الكثير منهم، أو ضمن دوائرهم القريبة، مجموعات آثار، وعاجلًا أم آجلًا سيصطدم مثل هذا البحث بمصالحهم".
ويرغب تسيروغيانيس بأن تجري المؤسسات تدقيقًا أكثر صرامة لمجموعاتها بحثًا عن أي قطع تظهر في أرشيفات الآثار المهرّبة.
قد يهمك أيضاً
وحتى الآن، استجاب متحف ألارد بيرسون الذي يتعاون مع تسيروغيانيس فقط، في أمستردام، بعدما كشف عن آثار غير مشروعة ضمن مجموعته.
وأوضح أنهم قالوا له: "نريد تنظيف مجموعتنا ونريد التعاون معك".
وذكر المتحف الهولندي، التابع لجامعة أمستردام، عبر موقعه الإلكتروني أن "عددًا من الآثار التي بحوزته يمكن ربطها بتجّار فن دوليين إمّا أُدينوا أو اشتُبه بتورطهم في الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي". وقد استعان بخبرة تسيروغيانيس كباحث زائر للعمل عن كثب مع فريق على دراسة المصدر، وضمن دائرة تركيزه نحو 10,000 قطعة اقتنيت منذ العام 1970.
وقال روجيه كالكرز، رئيس أبحاث المصدر لدى متحف ألارد بيرسون، لـ CNN: "نسعى إلى أن نكون شفافين قدر الإمكان بشأن تاريخ مصدر جميع القطع في مجموعتنا، وكذلك بشأن تورط متحفنا في الماضي في نظام دعم سوق الآثار المنقّبة و/أو المهرّبة بشكل غير مشروع على مدى عقود".
ورغم أنه غير ملزم قانونيًا بذلك، فإن المتحف قد "وافق من حيث المبدأ" على إعادة بعض القطع المعنية إلى إيطاليا، وشدّد على أهمية الانفتاح ليس فقط على الباحثين، بل أيضًا على وكالات إنفاذ القانون والهيئات الحكومية والجمهور العام، وفقًا لكالكرز.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير
أخبار متعلقة :