اخبار العرب -كندا 24: الجمعة 26 ديسمبر 2025 04:51 صباحاً دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في غرفة بلا نوافذ بمتحف المتروبوليتان، تُعرض قطع دانتيل عتيقة تعود لمئات السنين على ورق أسود واسع. تشكّلت أدق الغرز إلى دوائر وحلزونات وحتى أشكال حيوانات، واستغرق بعضها سنوات ليُصنع يدويًا بدقة متناهية.
في القرون السابقة، كان صنع بضعة أقدام فقط من الدانتيل يتطلب التزامًا طويل الأمد يمتد لسنوات. أما اليوم، فيمكن إنتاجه بسرعة أكبر بواسطة الآلات. وخلال العام الماضي، ظهر الدانتيل بكثرة على منصات أسبوع الموضة، بينها عروض "كلوي" و"فندي".
وخلال موسم الأعياد، تحظى تصاميم الدانتيل بشعبية خاصة، إذ تضيف لمسة من الإثارة أو الأناقة إلى أزياء الحفلات.
رمز للمكانة الاجتماعية الرفيعةترجع المؤرّخة إلينا كاناغي-لوكس أصول الدانتيل إلى أواخر القرن الخامس عشر، حين كان يُستخدم على نطاق أصغر كحواف وزخارف دقيقة ومدبّبة. وما بدأ كزينة صغيرة تطوّر لاحقًا ليصبح أكثر تفصيلًا وتعقيدًا، ثم بات في ما بعد رمزًا للمكانة الاجتماعية نظرًا لكلفته العالية بسبب عملية صناعته الشاقة، ناهيك عن دقته وهشاشته.
وأوضح المؤرّخ الإنجليزي في القرن السابع عشر، توماس فولر، أنّ الدانتيل لم يكن قماشًا ضروريًا في الملابس. فالقماش كان "زينة فائضة، لأنه لا يخفي ولا يدفئ، بل يزيّن فقط". وتابعت كاناغي-لوكس أن وضع الدانتيل على الملابس، خصوصًا في أماكن مثل الياقات وأطراف الأكمام التي قد تتّسخ بسهولة، كان بمثابة إعلان واضح لمكانة صاحبه الاجتماعية. فامتلاك القدرة على شراء الدانتيل لم يكن كافيًا وحده، بل كان يتطلب أيضًا الموارد اللازمة للحفاظ عليه.
في مرحلة ما، أصبح الطلب على الدانتيل كبيرًا لدرجة أنه خضع للتنظيم عبر قوانين استهلاكية في القرنين السادس عشر والسابع عشر للتقليل من التبذير في السلع الاستهلاكية، وفقًا لمؤسسة سميثسونيان. ولم تكن هذه القوانين استثناءً؛ فقد شملت أيضًا قيودًا على المخمل، والتطريز بالذهب، والساتان، وغيرها من الأقمشة، لكن الحظر لم يكن فعّالًا دائمًا، وأصبح التهريب جزءًا من تاريخ الدانتيل.
مع قدوم الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، حاولت آلات بدائية تقليد الغرز الدقيقة للدانتيل، لكن من دون جدوى. وتشير كاناغي-لوكس إلى أنّ النسّاجين والعمال البريطانيين الذين احتجوا على مكننة حرفتهم قاموا بتحطيم آلات الدانتيل. وبينما فقد العديد من صانعيه وظائفهم بسبب الصناعة، أصبح الدانتيل اليدوي والعتيق أكثر قيمة لاحقًا.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، نجح بعض صانعيه في بلجيكا بالحفاظ على حرفتهم عبر إنتاج ما يعرف بـ "دانتيل الحرب" بطلب أمريكي، ويحمل رموز الحلفاء، خلال الاحتلال الألماني. لكن الاهتمام بهذا القماش تراجع بعد حوالي عشر سنوات مع بداية الكساد الكبير، وتقلّص الجهد والاهتمام بصناعة الدانتيل. وبمرور الوقت، ارتبط في النصف الثاني من القرن العشرين، بالصور النمطية القديمة، وفقًا لـ كاناغي-لوكس. ولسنوات طويلة، كانت الصورة السائدة في الغرب أن كبار السن فقط هم من يصنعون الدانتيل، لكنها أشارت إلى أن ذلك صحيح جزئيًا فقط، إذ كانت الحرفة مهارة يتعلمها الشباب ولا يتخلون عنها.
مع تقدم صناعته، يحتمل ألا يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في إنتاجه. فرغم إمكانية تصميم أنماط الدانتيل باستخدام برامج مثل فوتوشوب، إلا أن الإنتاج الفعلي له عبر الذكاء الاصطناعي ليس واسع الانتشار، بحسب كاناغي-لوكس.
بل إن مستقبله قد يكون في أيدي الحرفيين مثل كاناغي-لوكس وزملائها في منظمة Brooklyn Lace Guild، التي أسّستها مع الفنانة إليان هاتشينسون في نيويورك. تنظّم المنظمة ورش عمل للدانتيل، وتقيم معارض وفعاليات للمساعدة على الحفاظ على هذه الحرفة. وأوضحت كاناغي-لوكس أن صناعته تعتبر بمثابة وسيلة لإعادة التواصل في عصر ثقافة المستهلك السريعة جدًا.
الملابس الداخلية أكثر جاذبيّةوفيما شهد الدانتيل تقلبات في الشعبية خلال العقود اللاحقة، استمر استخدامه في أزياء الزفاف وقطع اللانجري. واستُخدم بداية لتزيين الملابس الداخلية الكتانية، لكن القطع أصبحت أصغر مع مرور الوقت. ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت الملابس أكثر تفصيلًا وصُنعت من مواد أنحف، وصارت الملابس الداخلية أكثر جاذبية، بحسب كاناغي-لوكس، الأمر الذي زاد الطلب على الدانتيل.
وعندما بدأت كاناغي-لوكس بمشاركة مقاطع فيديو عن تاريخه على تيك توك أمام أكثر من 400,000 متابع، أعرب بعض المعلقين عن عدم إعجابهم به لأنه غالبًا ما كان يبدو "خشنًا". وتعزو ذلك إلى طريقة إنتاج الدانتيل الرخيص والسريع في الوقت الحالي، حيث تكون النتيجة النهائية مؤسفة.
ومن المثير للاهتمام أن سرعة إنتاجه، حتى لو كان منخفض الجودة، تؤثر على كيفية صناعة الدانتيل عالي الجودة. فالعديد من دور الأزياء لم تعد تستخدم النوع اليدوي لأن عملاءها لا يريدون الانتظار لإنتاجه، وفقًا لكاناغي-لوكس.
لكن رغم لجوء عدد أكبر من مصممي الأزياء الفاخرة إلى الآلات، فإن الدانتيل الآلي ليس جميعه متساويًا، بسبب اختلاف جودة الإنتاج بين الآلات، مثل دانتيل"ليفرز" المعروف بتصاميمه المعقدة والمطلوبة لدى دور الأزياء الفاخرة، ويُصنع على آلات محددة تتطلب خمس إلى سبع سنوات من التدريب لتعلم تشغيلها. لكن هذه الآلات لم تعد تُصنع، وبالتالي قد يتراجع إنتاجه مع الوقت.
في الواقع، أصبح هذا القماش يتمتع بقيمة عالية لدرجة أن دار "شانيل" استحوذت على حصة في شركة فرنسية مصنّعة للدانتيل في العام 2016، للحفاظ على إنتاجها الخاص منه.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير
أخبار متعلقة :