Arab News 24.ca اخبار العرب24-كندا

في أنغولا.. متحف "العبودية" يشهد على أعظم فظائع التاريخ

اخبار العرب -كندا 24: الجمعة 12 ديسمبر 2025 08:20 صباحاً دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- على أطراف العاصمة الأنغولية لواندا، في منزل مطلي بالأبيض يعود لقرون مضت مشيّد على تلّة، يوثّق متحف صغير واحدة من أعظم فظائع التاريخ البشري.

وقد كانت مدينة لواندا مركزا لتجارة العبيد عبر الأطلسي. والآن يسعى المتحف الوطني للعبودية كي يصبح مكانًا يمكن لأحفاد المستعبَدين العودة إليه، ليس فقط للتعرّف على التاريخ، بل أيضاً للبحث في الأرشيفات التي قد تساعدهم على تتبّع أصولهم.

يقع Museu Nacional da Escravatura (المتحف الوطني للعبودية) في موقع عقار يعود لألفارو دي كارفاليو ماتوسو، وهو رجل برتغالي استعبد عددًا هائلًا من البشر حتى قيل إنه نال الثناء على ذلك.

ومن القرن الخامس عشر وحتى العام 1867، استُعبد نحو 12.5 مليون شخص في أنحاء إفريقيا ونُقلوا عبر الأطلسي. ويعتقد الباحثون أن نحو نصفهم، حوالي 45%، جاءوا من المنطقة المحيطة بأنغولا الحديثة.

مرجل للتعميد في المتحف الوطني للعبودية، كان الناس يعمّدون قسرًا في الكنيسة قبل شحنهم إلى الخارجCredit: Dogukan Keskinkilic/Anadolu Agency/Getty Images

وقد شُحن ما لا يقل عن 1.6 مليون شخص قسرًا من لواندا، ونُقل معظمهم إلى البرازيل. لكن أول المستعبَدين الذين وصلوا إلى مستعمرات أمريكا البريطانية العام 1619، جاؤوا أيضًا من أنغولا. 

وتُظهر السجلات المعروضة على جدران المتحف أناسًا مستعبَدين أرسلوا ليس فقط إلى ما سيصبح لاحقًا الولايات الجنوبية، بل أيضًا إلى أماكن مثل نيويورك ورود آيلاند.

قد يهمك أيضاً

ويحيط بالساحل الإفريقي عدد قليل من متاحف العبودية، من السنغال إلى غانا، مرورًا بجنوب إفريقيا وصعودًا إلى تنزانيا. وإسوة بمعظم تلك المتاحف، كان متحف لواندا في الأصل سجنًا للأفارقة المستعبَدين، متموضعًا على جرف يُطل على البحر، أي نقطة اللاعودة المصممة على نحو يجعل الجغرافيا ذاتها حاجزًا يمنع الهرب.

أدوات القمع
قام الأنغوليون بتبادل المنتجات المحلية مقابل الأسلحة أثناء قيامهم بالمقاومة.Credit: Dogukan Keskinkilic/Anadolu Agency/Getty Images

اليوم، يبدو الجانب المطلّ على المحيط من المتحف قاحلًا تمامًا كما كان عليه قبل قرون. أما الجانب الآخر فلم يعد ضيعةً استعمارية، بل أصبح ساحةً كبيرة معبّدة لوقوف حافلات السيّاح، وبجوارها سوق للحرف اليدوية ومهبط طائرات مروحية لزوّار الشخصيات المهمة.

لكن ما يثير الاستغراب بشكل خاص في متحف لواندا هو أن جزءًا منه يقع في ما كان في السابق كنيسة كاثوليكية في ملكية دي كارفاليو السابقة. تُعرض فيه آثار من تلك الحقبة، أبرزها الصليب الخشبي وحوض المعمودية.  وكان هذا الحوض أداة استخدمها المستعمرون البرتغاليون لطمس هوية الأنغوليين المستعبدين، من خلال تعميدهم قسرًا قبل وضعهم على متن السفن لعبور المحيط الأطلسي.

قد يهمك أيضاً

وقالت مارلين آنانياس رودريغيش بيدرو، وهي رئيسة قسم البحث العلمي في المتحف: "لقد عُمّدوا هنا، في هذه الكنيسة". وخلال المعمودية كان يتم تغيير أسماء الأشخاص المستعبَدين، فيجرّدوا من أسمائهم الحقيقية ويُمنحون أسماء ذات أصل برتغالي".

وتابعت: "اتخذ معظمهم اسم أنغولا كلقب للإشارة إلى أصل الأشخاص المستعبَدين. لم يكن البرتغاليون يريدون لهم الاحتفاظ بهويتهم، أو بأسمائهم الشخصية".

إحدى المعروضات بالمتحف الوطني للعبودية، أصفاد استُخدمت على الأشخاص المستعبَدين.Credit: Dogukan Keskinkilic/Anadolu Agency/Getty Images

وقبل أن يُجبروا على الصعود إلى السفن، حاول البرتغاليون تحريف النصوص التوراتية لتبرير العبودية وإقناع الأنغوليين بقبولها، حسبما أضافت.

وتُعرض الأساليب الوحشية المستخدمة في استعباد الناس داخل غرفة مجاورة للكنيسة، من بنادق، وأصفاد، وسلاسل. وتُظهر رسوم من تلك الفترة تجار العبيد وهم يضربون الأنغوليين على راحات أيديهم بمجاديف مزوّدة بالمسامير. 

قد يهمك أيضاً

تُظهر صور أخرى نساءً ذوات بشرة بيضاء ثريات يُطعمن أطفالاً أصحاب بشرة سمراء بقايا الطعام تحت الطاولة كما لو كانوا كلاباً، وقد وُضعت أطواق معدنية حول أعناقهم. ويظهر بالغون أنغوليون، على الأرجح آباء هؤلاء الأطفال، وهم يقدّمون الطعام لأصحاب البشرة البيضاء على صحون من الفضة.

وإذا لم تكن الضربات والأسباب الدينية كافية، كان الكحول أداة أخرى لمحاولة إخضاع الأنغوليين.  يوجد جهازان معدنيان لتقطير الكحول على الشرفة المطلة على المحيط.

وقالت بيدرو: "كانت فكرة المستعمِر أيضًا أن يجعل الأشخاص المستعبَدين يشربون الكحول"، فالإبقاء عليهم في حالة ثمالة، بحسب منطق المستعمِر، يساعدهم على التحكّم بهم بشكل أسهل، ويسهّل حشدهم كتفًا إلى كتف في عنابر السفن.

مقاومة شرسة

يتميّز هذا المتحف بأنه لا يُقدّم تصوّرًا للأنغوليين كضحايا فقط، إذ توثق معروضاته المقاومة الطويلة والشرسة لكل من العبودية والاستعمار. وتصطف الأسلحة التي استخدمها الأنغوليون في إحدى الغرف، موضحة كيف استخدموا السهام المسمومة، وكيف قايضوا المنتجات المحلية بالبنادق للدفاع عن أنفسهم.

وقالت بيدرو: "لقد قاتلوا. وبشراسة. لم تمنح أفريقيا استقلالها على طبق من فضة. كان هناك مقاومة".

وقد استمرت هذه الروح المقاومة لقرون، عبر تجارة الرقيق وحتى الحقبة الاستعمارية، إذ استمرت حرب استقلال أنغولا ضد البرتغاليين من العام 1961 حتى 1974. ونالت البلاد أخيرًا استقلالها في نوفمبر/تشرين الثاني العام 1975.

وهذا جزء من القصة التي تأمل بيدرو ومدير المتحف، خوسيه أنطونيو فازيندا، أن يستوعبها الزوّار. وهما يعملان مع باحثين في الولايات المتحدة والبرازيل لجعل سجلات أنغولا الأرشيفية متاحة لأي شخص يرغب بالاطلاع عليها.

وفي مبنى متواضع عند سفح التل الذي يقع عليه المتحف، يعمل فازيندا وبيدرو مع الحكومة لإنشاء نسخة رقمية من أرشيف لواندا.

وقال فازيندا: "نريد إنشاء مكتبة عملية في هذه القاعة. ونعمل حاليًا مع فريق من المختصين لإعداد حملة لجمع المواد اللازمة لهذه المكتبة. هذا حلمنا. نريد أن يجد كل من يرغب بالتعمق في المعرفة مكانًا يمكنه من ذلك".

ورغم أنّ الأسماء الأفريقية للأشخاص المستعبَدين لم تُسجّل قط، فإنّ الوثائق تذكر إلى أين نُقلوا وعلى أي السفن كانوا. ومع بذل جهد كافٍ، قد تظهر أدلة حول المكان الذي أُسروا فيه. فبين السطور تختبئ قصة أغنى عن كيفية مقاومة الأنغوليين.

حاليًا، تُحفظ هذه السجلات في الأرشيف الوطني في وسط لواندا، ولا يمكن الوصول إليها إلا بإذن خاص، وفي ظروف أقلّ من المثالية.

لهذا السبب، يعملون مع باحثين أمريكيين وبرازيليين لتجميع المواهب والموارد، ويأملون جمع التبرعات من مانحين خاصين لدعم عملهم.

وأضافت بيدرو: "نريد الحفاظ على هذه المجموعة للأجيال التالية".

تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير

أخبار متعلقة :