Arab News 24.ca اخبار العرب24-كندا

«عطاء» يعيد صياغة الحياة عبر حكايات الجدات

اخبار العرب -كندا 24: الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 11:40 صباحاً تتمحور أعمال الفنان المصري محمد صبري بسطاوي حول الوجود والبشر والتجدد؛ فيسعى من خلالها إلى إبراز التفكيكية المجزأة للحياة؛ ليعيد تقديمها بشكل مغاير يقوم على العطاء والسلام والتعاون. وفي معرضه المقام في «قاعة الزمالك للفن» (وسط القاهرة) تظهر وسائطه الفنية المجزأة هي الأخرى؛ فالنحت والتصوير يجمدان لحظات فريدة في الزمن، ومن خلال استخدامهما، يسعى إلى تجسيد المشاعر والتجارب المعقدة والمعمقة في الحياة.

قد لا نعرف أبداً سر أهمية الفن بالنسبة لنا، ونتساءل لماذا يحتاج الإنسان إلى متنفس إبداعي، لكن عندما نشاهد بعض الأعمال الفنية قد نصل ـ جزئياً ـ إلى هذا السر؛ إلى أن نعود مرة أخرى إلى تساؤلاتنا؛ بحثاً عن مزيد من الزاد الفني، وذلك ما يحدث عند تأمل أعمال هذا المعرض؛ فنجد أنفسنا أمام «حياة موازية» مليئة بالتفاصيل والمشاعر والسمات والعلاقات التي نتمنى لو كانت تجسد الواقع فعلاً.

يغلف التشكيلي المصري كل جوانب الحياة بالعطاء، فالمعرض الذي يضم نحو 45 لوحة و16 منحوتة يبرز هذه القيمة الإنسانية، وينتصر لها، وبحسب حديث بسطاوي لـ«الشرق الأوسط»: «(عطاء) هو عنوان المعرض، الذي استمده من اسم أمي رحمها الله، وهو أيضا قيمة عظيمة أردت ترسيخها والتأكيد عليها».

الحيوانات تشارك الشخوص حياتهم (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في أغلب الأعمال يجد المشاهد أجواء ورموزاً للخير والمودة والفعل التشاركي، حتى عندما جسدت شخوصاً يحملون أسلحة، فهي تأتي دفاعاً عن النفس والعائلة والوطن؛ كأن يحمل أحدهم طفلة أثناء ذلك؛ في دلالة على أنها ليست سوى قوة من أجل العيش في سعادة واستقرار».

المتأمل للوحات يشعر كما لو أنه يتأمل الحياة ذاتها؛ فهو يجسدها بكل أحوالها وتفاصيلها، لكنها ربما تكون هنا أكثر دفئاً وهدوءاً، يقول بسطاوي: «نشأت في قرية بسيطة في شمال مصر، لا توجد بها أي وسيلة تسلية حديثة، تنقطع فيها الكهرباء لفترات طويلة؛ فلم يكن أمامي سوى اللعب مع الأنداد، والحيوانات، والاستماع إلى حكايات الجدات، التي تثير الخوف، وتسلي، وتضحك، وتغذي الوجدان، وتوسع الخيال».

ويتابع: «ربما لم تكن بيئة مبهرة بالنسبة لطفل، لكن عندما كبرت والتحقت بكلية الفنون الجميلة، اكتشفت كم زودتني هذه التفاصيل والحكايات بمخزون بصري ووجداني ضخم، وموهبة فطرية لم تعبث بها أجواء المكان، ولا تعليمات مدرسي مادة الرسم التي غابت عن مدرستي!».

بالتة ألوان تدعو للسلام والهدوء (الشرق الأوسط)

المجاميع سمة أخرى أساسية في أعمال المعرض؛ فقد تعمد الفنان حشد الشخوص، وتقديمهم بشكل جماعي دوماً؛ وعن ذلك يقول: «ليس هناك مجال للفردية أو الأنانية في عالم لوحاتي؛ وهي فكرة مجتمعية تأخذنا إلى الماضي القديم، فقبل الحضارات كانت الناس تتحرك في مجموعات بهدف الحماية؛ فمن يتحركون فرادى يهلكون، بينما تحمي المجموعات بعضها بعضاً، وهي بذلك دعوة للتكاتف».

لكن لا تتضمن المجموعات في لوحاته البشر وحدهم؛ فتحتشد كذلك معهم كائنات أخرى، أغلبها من الحيوانات؛ وذلك بأشكال وأوضاع مختلفة؛ أحياناً تجدهم في الحقول، أحياناً أخرى على أكتاف بعض الشخوص، أو محمولين بين أيديهم، والأكثر من ذلك قد تجد الحيوانات تحتوي البشر داخلها.

المجاميع سمة أساسية في أعمال المعرض (الشرق الأوسط)

ويرتبط ذلك بفكرة فلسفية يعتنقها الفنان: «نحن لا نعيش على الأرض وحدنا؛ هذه الكائنات الأخرى التي تشاركنا الحياة ينبغي أن يكون الانسجام والتعاون معها في أبهى صوره، تماماً مثلما ينبغي أن يكون الأمر بين البشر».

استمد بسطاوي هذه الفكرة من الفلسفة الإسلامية، حيث يبرز مفهوم الوحدة، كما يوضح: «كل وحدة وفقاً لهذا الفكر مكونة من أجزاء عدة، وكل جزء له أهميته في اكتمال الوحدة النهائية، بمعنى أن الجزء يؤدي إلى الكل». ويواصل: «وبالرغم من أن أعمالي تخلو من الفن الإسلامي بسماته المتعارف عليها، فإنها تنطلق من الفلسفة الإسلامية ذاتها».

بورتريه من أعمال محمد صبري بسطاوي (الشرق الأوسط)

من اللافت تأثر الفنان كذلك بفكر المصري القديم في تناوله للحياة على أسطح المعابد؛ فعلى سبيل المثال يظهر في أعماله المنظور المتوازي، حيث غياب البعد الثالث، وتجد في أغلب الأعمال فكرة رسم أجزاء متتالية؛ ففي الجزء السفلي نجد السمك، يليه البشر، ثم الطيور في أعلى اللوحة، بينما لا تكاد تجد فراغاً في الأعمال؛ فهو لا يترك فراغاً إلا إذا كان من الممكن توظيفه لصالح العمل.

وتقوم اللوحات إلى حد كبير على الرمزية؛ فكل عنصر في يد أو جسد الإنسان أو الحيوان أو السماء يحمل معاني باختلاف الرموز؛ فما بين دلالات السلام والحرية والخصوبة والخير والتعاون يعيش الجميع سوياً.

الفنان محمد صبري بسطاوي مع إحدى لوحاته (الشرق الأوسط)

وبجانب المشاهد الدرامية والسردية التي اتسمت بها لوحاته، قدّم الفنان مجموعة من البورتريهات، حيث احتفى بالوجه الآدمي القابع بين كتلتين هندسيتين حادتين، وربما يكون ذلك استمراراً للرمزية؛ إذ يوحي الجزء الذي يعلو الرأس بأنه قد يكون تاجاً، أو فكرة أو وهماً أو خاطرة أو حلماً ما يخدم فكرة البورتريه.

ومنحت الألوان الزيتية التي استخدمها الفنان في لوحاته التصويرية ثراء وشحنات مختلفة من المشاعر، في حين أضفت البالتة الهادئة أجواء من الهدوء والسلام، ولا سيما اللون الأزرق الذي عزّز حالة الصفاء الذهني بالأعمال.

تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير

أخبار متعلقة :