اخبار العرب -كندا 24: الأربعاء 10 ديسمبر 2025 06:39 صباحاً عندما كانت أمارا بروك تتدرب لتصبح اختصاصية نفسية سريرية، أسدى إليها أحد المشرفين نصيحة قبل اجتماع مهم بشأن مريض: التزمي الصمت، واستمعي لرؤسائك.
في المجال الطبي ذي التسلسل الهرمي، يُعدّ احترام السلطة، والتعامل مع الشخصيات المتغطرسة أمراً طبيعياً. لكن بالنسبة لبروك، التي تعاني من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط والتوحد، كانت القواعد الاجتماعية غير المكتوبة صعبة التطبيق.
لذا، لجأت بروك إلى تناول قطعة حلوى جولي رانشر، التي شكلت المادة اللاصقة فيها «كمّامة» بين أسنانها، كما وصفتها بروك؛ فمن دونها، لكانت رغبتها الشديدة في الكلام قد غلبتها، و«أثارت حفيظة الآخرين بالتأكيد».
التمويه: إخفاء الأفكار والسلوككانت بروك تستخدم أسلوباً للتأقلم يُسمى التمويه: إخفاء الأفكار أو السلوكيات للانسجام مع الآخرين.
وتقول بروك: «علينا أحياناً فقط أن نفعل ما هو فعال، أليس كذلك؟ لكن هناك جانب سلبي، إذ عندما تتظاهر طوال الوقت، فسيصبح الأمر مُرهقاً».
قد يُساعد التظاهر أي شخص على التأقلم مع بيئات صعبة، مثل مكان العمل. لكن بالنسبة للأشخاص المصابين بالتوحد واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، قد يُصبح إخفاء السلوك الاجتماعي غير المألوف استراتيجيةً مُستمرةً للبقاء. وعندما يصبح التظاهر أمراً مُستمراً ولا مفر منه، فقد يُؤدي ذلك إلى ظهور مشكلات في الصحة النفسية، أو تفاقمها.
حوار علمي* ما «الإخفاء masking »، ومن أين جاء هذا المصطلح؟
- الإخفاء (التظاهر)، الذي يُشار إليه أحياناً بالتمويه، هو طريقة لإدارة كيفية تقديم أنفسنا من خلال إخفاء أشياء قد يجدها الآخرون مرفوضة، وذلك بهدف خلق انطباع أكثر إيجابية.
في الأوساط الأكاديمية، اكتسبت هذه الفكرة زخماً لأول مرة في الستينات عندما كشف عالم النفس الاجتماعي إرفينغ غوفمان كيف دفعت الوصمة الاجتماعية الناس إلى إخفاء جوانب مُعينة من هويتهم، مثل الميول الشاذة، أو الانتماء الديني، التي لم تكن ظاهرة للعيان.
لكن مصطلح «الإخفاء» لم يُستخدم على نطاق واسع إلا لاحقاً، في سبعينات القرن الماضي، عندما استخدمه عالما النفس بول إيكمان ووالاس ف. فريزن للإشارة إلى فعل إخفاء المشاعر.
«الإخفاء التوحدي»وفي الآونة الأخيرة، بدأ أفراد مجتمع التوحد باستخدام عبارة «الإخفاء التوحدي autistic masking » على الإنترنت لوصف الطريقة التي يخفون بها سلوكيات مثل رفرفة اليدين، أو كيف يدرسون، أو كيف يقلدون الأعراف الاجتماعية، مثل الحفاظ على التواصل البصري.
وفي عام 2013 أشار الدليل الذي يستخدمه مقدمو خدمات الصحة النفسية إلى هذا المفهوم قائلاً إن أعراض التوحد «قد تُخفى باستراتيجيات مكتسبة في مراحل لاحقة من الحياة».
ويُعد الإخفاء التوحدي الآن مجالاً بحثياً ناشئاً، وطور الباحثون مقياساً للإخفاء يُسمى «استبانة سمات التوحد المموهة».
التظاهر والإخفاء... من أجل الرفاهية* متى يكون الإخفاء مفيداً؟
- يحتاج الجميع، سواء كانوا من الأشخاص «ذوي التنوع العصبي neurodivergent » أم لا، إلى الإخفاء أحياناً. يُساعد ذلك الأفراد على الشعور بالقبول ضمن المجموعة. إذ يُعدّ الشعور بالانتماء «أحد أفضل مؤشرات الرفاهية»، كما يقول مارك ليري، الأستاذ الفخري لعلم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك، والذي درس الدوافع الاجتماعية.
وتقول إيريس ماوس، أستاذة علم النفس، ومديرة معهد الشخصية والبحوث الاجتماعية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، إنّ التظاهر قد يكون مُحفّزاً عندما يتم وفقاً لقيم الشخص، وباختياره.
وأوضحت ماوس أنه على سبيل المثال، إذا كنت تُقدّر اللطف، والصبر، فقد تختار تجنّب التعبير عن الملل، والإحباط خلال اجتماع عمل يبدو لا نهاية له. وأضافت أن التظاهر بهذه الطريقة يُتيح «فهماً أعمق وأكثر دقة لمعنى الأصالة الحقيقي» من خلال مساعدة الأفراد على التمسك بمبادئهم الأساسية.
الإخفاء يهدد الصحة النفسية* متى يُصبح التظاهر مُشكلة؟
- أحياناً يتجاوز التظاهر الحدّ. يقول جون باتشانكيس، أستاذ العلوم الاجتماعية والسلوكية في كلية ييل للصحة العامة، إن إخفاء جوانب مهمة من أنفسنا قد يضر بالعلاقات الوثيقة، ويسبب الشعور بالخجل، أو الذنب.
قد يؤدي إخفاء هذه الجوانب إلى الاكتئاب، والقلق، والإرهاق، بالإضافة إلى إغفال تشخيصات الصحة النفسية، بل وحتى إلى سلوك انتحاري.
إن «إخفاء الذات طوال الوقت يوحي بأن جوهرك هو المشكلة» كما تقول سارة وودز، الاختصاصية النفسية السريرية في مركز التوحد بجامعة واشنطن، والتي تعمل أيضاً في عيادة «ديسكفر سايكولوجي» الخاصة، وتضيف: «يتطلب ذلك جهداً كبيراً يومياً».
وأوضحت وودز أن بعض الأشخاص قد يخشون، عن حق، العواقب الاجتماعية، أو المهنية المترتبة على تقليل إخفاء الذات، وقد تتفاقم هذه المخاوف إذا كانوا معرضين لخطر التمييز لأسباب أخرى، كالعنصرية.
وإذا كنت تتساءل عما إذا كنت تبالغ في إخفاء ذاتك، يقترح ماوس أن تسأل نفسك: هل يفيدني إخفاء الذات بشكل عام؟ هل يُحسّن علاقاتي؟ أم أنه يُسبب المزيد من الضرر؟ ويضيف أنه إذا كانت السلبيات تفوق الإيجابيات، فقد ترغب في التفكير في تقليل إخفاء الذات.
الكشف عن الذات* كيف تبدأ الكشف عن نفسك؟
- تنصح ديفون برايس، عالمة النفس الاجتماعي في جامعة لويولا شيكاغو ومؤلفة كتاب «الكشف عن الذات من أجل الحياة»، بإيجاد «مساحات آمنة»، والبدء تدريجياً في الكشف عن نفسك برفقة أفراد العائلة، أو الأصدقاء الداعمين.
وتنصح برايس، المصابة بالتوحد، بتجربة الأمر أولاً بمساعدة اختصاصي الصحة النفسية، مثل أولئك المدرجين في دليل المعالجين النفسيين ذوي التنوع العصبي.
ويُعدّ العثور على مجموعة تتوافق مع هويتك أمراً بالغ الأهمية لتنمية تقبلك لذاتك، سواء كانت مجموعة مناصرة للأشخاص المصابين بالتوحد، أو نادياً للقصص المصورة. وتقول برايس: «عندما تنظر حولك، قد تفكر: حسناً، لا يوجد خطأ فيهم؛ إذن ربما لا يوجد خطأ فيّ». وإذا كشفت عن نفسك ولم تحصل على الدعم الذي كنت تتوقعه، ففكّر في المحاولة مرة أخرى لاحقاً، فالأمور قد تتغير نحو الأفضل.
ويقول باتشانكيس: «من المهم أن نتذكر أن الناس قد يصبحون أكثر تقبلاً مع مرور الوقت، خاصةً إذا استطاعوا فهم القضية من منظور شخص مهم في حياتهم».
* خدمة «نيويورك تايمز»
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير
أخبار متعلقة :