أخبار عاجلة

الحياة علمتنى/ مذكرات مهاجـــــــــــرة :بقلم /مادلين بدوي—نورث يورك

الحياة علمتنى/ مذكرات مهاجـــــــــــرة :بقلم /مادلين بدوي—نورث يورك
الحياة علمتنى/ مذكرات مهاجـــــــــــرة  :بقلم /مادلين بدوي—نورث يورك

اخبار العرب- كندا: الصيف الجميل يرينا أيامه الرائعه ويمتعنا بالشمس والحرارة وإحساس الإنتعاش وجمال الانطلاق فى رحلة على إحدى البواخر أو القطارات أو حتى بالعربة الى الشواطيء والمنتزهات والبحيرات التي تعمر بها كندا. الناس من كل الأعمار تجدها فى كل مكان وخاصة فى الاسواق المكيفة بالهواء يحاولون قضاء وقتهم في التمشية والفرجة أو حتى الجلوس... المهم الإحساس بالتغيير.

فى عصر أحد أيام الصيف الجميلة ذات الهواءا المنعش قررت أن أذهب الى الحديقة العامة القريبة للتمشية حتى غروب الشمس حيث أن المشى هو رياضة في حد ذاته تفيد الدورة الدموية فى الإنسان وتجعله يشعر بالنشاط. كانت العائلات تجلس على النجيلة الخضراء فوق بساط أو كراسى أو خلافه... متناثرة في كل مكان والأولاد يلعبون بجوار أهاليهم وتحت رقابتهم... مجموعة من الشباب من الجنسين يكونون حلقة لألعاب التسلية ومنهم من يستقل دراجته ويلف بها ومنهم من يجرى وراء الآخر ثم يصارعه والكل بلا إستثناء يرفعون تليفونهم المحمول من حين لآخر ليردوا على المكالمات أو يقوموا هم بالاتصال والضحك بصوت عالى... الكل سعيد بالوقت الترفيهى الذى حظى  به.

فجأة سمعت إسمى في صوت منخفض... توقفت على الفور ونظرت حولى فلم أرى أحداً أعرفه وكنت أهم  بالمشى عندما رأيتها فى ركن بعيد تلوح لى بيدها... لم أتعرف على الوجه فبدأت هى تقترب منى فى حذر. عندما واجهتنى تذكرت ملامح وجهها... ولكنها الآن حاجة ثانية... القوام الرشيق والشعر المموج  وجمال التقاطيع... حاولت أن أنطق بإسمها وكان سعادتها بالغة أنه طلع صح  وإننى تذكرتها... سحبتنى من يدى إلى الكنبة البعيدة التي كانت تجلس عليها حيث كان ينتظرها أولادها...ولد وسيم في العاشرة من عمره وأخته الحلوة حوالى السابعة من العمر...  قدمتنى إليهما فى إنجليزية سلسة وجلست بجوارها بينما أخذ الولد أخته بعيداً ليلعبا بالكرة فى كياسة وأدب.

قلت: من امتى لم أرك؟ سنوات طويلة.... قابلتك لما كنتى عروسة.

قالت: اه يا مدام مادلين فوق 13 سنه شفت فيها اللى ما تتخيلهوش وعانيت الكثير وعايزه احكى لك.

قلت: من الواضح أنك الآن أحسن حالاً كثيراً فقد كنتى منطوية جداً عندما  عرفنى عليك زوجك وجارنا السابق.

قالت: أنا أحسن حالاً لأنني تحررت من قيوده والحياة معه ، فغرت فاهى دهشاً... فهذا الشاب كان الكمال بعينه وقد سافر فى الأجازة عند أهله وسمعنا انه وجد رفيقة حياته وتزوج هناك وعندما حضرا أقاما لنا حفلة وعزما لها كل الجيران المعروفين لديهما وكانت هذه هى المرة الأولى والأخيرة التي رأيت فيها عروسته وقد كان فخوراً بجمالها وذوقها وأصالة عائلتها ثم كونها مهندسة بارعة ومديرة إحدى شركات الهندسة ، وأنا التى أخبرتها أنه لابد من المعادلة هنا حتى تصل الى نفس مركزها لو أرادت حيث أمامها شوط طويل... وكانت تبدو شاردة احياناً رغم محاولتها إظهار السعاده والحفاوة بنا.

قلت: ماذا حدث لزوجك كامل الاوصاف... أو ماذا حدث لك أنت...؟

قالت: أنا وأهلى ظننا فعلاً  أنه كامل الاوصاف... عريس لقطة... ليس به عيب واحد... شباب ومركز ومستقبل... "ملو هدومه" وغنى ولم يظهر عليه أى شىء أثناء فترة الخطوبة رغم قصرها وعندما حضرت مكثنا فى شقته الصغيرة بجواركم ثم عزلنا الى شقة تمليك رائعة أكبر بجوار الجامعة التى إلتحقت بها وأكملت فيها سنوات المعادلة وتخرجت بدرجة شرف أهلتنى للعمل في أحد الشركات المعروفة بمرتب مغرى وإمتيازات رائعة... في أثناء دراستى رفضت تماماً فكرة الإنجاب بل لم ارد أصلاً الارتباط به بالأولاد... فقد تعرفت على النقص الوحيد في أخلاقياته والضعف الخفى فى شخصيته.

فى ثانى أسبوع بعد زواجنا قرر أن يأخذنى  إلى إسبوع عسل في منطقة شلالات نياجرا وكنا طوال النهار نلعب الألعاب هناك ونمضىى أجمل الأوقات في ركوب العجل وزيارة الاماكن القريبة والفسحة فى النهر أما فى الليل فلم يكن هناك إلا مكان واحد يتوق إليه ولا يستبدله بأي شيء آخر... هذا المكان هو كازينو القمار والذى كان يجلس فيه بالساعات ويعطينى أنا شوية فكة لكى أستعملها في اللعب بالأجهزة ذات التعريفة الرخيصة... أما هو فيتربع على مائدة خضراء كبيرة ويضع أمامه الفيشات البلاستيك الملونة والتي يمكن أن تصل فى مجموعها إلى مئات الدولارات وأحياناً الالاف... وزاد الطين بلة الكأس التى يضعها على يمينه وهو يلعب وكأنها من مستلزمات الهيئة التشريفية للمقامر... وكان منظره يدل على الاحتراف رغم أنه حاول طوال سنوات طويلة أن يقنعنى أنها هواية ليس إلا وأن المكسب يدخل السعادة إلى قلبه... أما عن الخسارة فلم يكن يتكلم عنها... وبما أنه المسؤول عن الجانب المالى في حياتنا لم يكن من السهل معرفة ماذا يحدث ولكن أحوالنا كلها لم يحدث فيها أي تغيير وكل طلباتى كانت مجابة والمنزل لم ينقصه شيء... لم يكن لدى ما أشكو منه خاصة وقد كانت دراستى تملأ وقتى تماماً بجانب أى مشاوير خارجية أو مستلزمات المنزل... فلم أعره إهتماماً كثيراً وقررت أن أتقبل حياتى كما هى وأحاول أن أتاقلم عليها حتى يفعل الله ما يريد.

كانت سهرات زوجى معظمها في نهاية الأسبوع ولكننى طالبته بالخروج للفسحة أو زيارة الأصدقاء فبدأ يخصص له  يومين في وسط الإسبوع حيث يذهب إلى هذه الأماكن بعد انتهائه من العمل واسمعه وهو عائد فى  منتصف الليل يدخل فى حذر فيتفاجئ بى جالسة أذاكر. لم أكن أسأله شيئاً وكان هو أيضاً يتجنب الكلام وأحياناً أسمعه وهو يغنى في سعادة ويلقى التحية فقط في طريقه إلى غرفته.

بعد التخرج وإشتغالى طلبت منه أن يكون لى في البنك حسابى الخاص لأضع فيه مرتبى وأغطى طلباتى الخاصة حتى لا الجا إلية في كل صغيرة وكبيرة... فوجئت بموافقة وكنت أخشى أن يرفض أو يجبرنى أن  أتقاسم معه مصاريف المعيشة وقرض البنك وخلافه... وقد أراد الله أن يلهمنى بهذا التصرف وإلا لما وجدت الآن ما أصرفه على أولادي ونفسى... لم يعد عندي حجة لعدم الإنجاب فرزقنا الله ولد ثم بعد 3 سنوات بنت... وإستمرت الأحوال على ماهو عليه وأنا لا أعلم أنه  كان يغطى خسائره من الأموال التي ورثها عن والداه المتوفين وكانت في حساب مجهول بالنسبة لى... لذلك لم  تتأثر مواردنا  ولا أحوالنا حتى جاءت ليلة سوداء لم يعد فيها للمنزل حتى شروق الشمس ولم يغمض لي جفن ثم جاءنى منه  مكالمة  سريعة أخبرنى أنه  مقبوض عليه في قسم البوليس وطلب مني الاتصال بأحد المحامين من أصدقائه وإحضاره حتى يفرجوا عنه...كتمت الامر عن  الاولاد وكالعادة إعددتهما للذهاب إلى مدرستهما ثم إتصلت بالمحامى فاخبرنى أنه سيحضر ليأخذنى بسيارته حتى لا أتعرض لحادث في حالتى المنهارة هذه.

فى قسم البوليس إكتشفنا أنه تعارك مع شخص آخر وإتهمه بالغش في لعبة القمار التى كان يشترك فيها معه وتضاربا ثم إتصل أمن الكازينو بالبوليس فجاء وأخذهما الإثنين إلى الخارج.

 كان الشخص الثانى ملابسه متبهدلة ولسانه لم يكف عن الصياح متهماً زوجى بشتى التهم. بعد إجراءات الكفالة التى قُدرت لزوجى أخذنا المحامى للمنزل حيث كاشفته لأول مرة بشكواى لإدمان زوجى للقمار وما يمكن أن  يجره هذا علينا كعائلة بالخراب والضياع... حاول زوجى الدفاع عن نفسه ولكن المحامى إخبره أنه ستكون هناك قضية علنية لأنه ضرب الرجل الآخر وأحدث جرحاً في راسه. أن الشركة التى يعمل بها كمدير قد يعرف مجلس إدارتها بالموضوع وهذا ليس فى الصالح مطلقاً. حاولت إستغلال هذا الموقف ووجود المحامى لكى أخذ منه وعداً وعهداً  أن لا  يقرب القمار ثانياً ولكنه قال انه حر ولن يقبل وصاية أحد عليه في هذا الأمرأو خلافه.

غنى عن القول وأنت تعلمين جيداً هذه المواقف كلها... أن زوجى زاد غية غير مراعياً مشاعرى ولا رد فعل كل ذلك على نفسية الأولاد... ورغم محاولاتى المستمرة اخفاء ما يحدث عنهما لا أن الولد بالذات كان ذكياً وكثير القراءة محس بفطرته  أن البيت الذي يأويه تهتز جدرانه حوله ويكاد السقف أن يقع عليه وعلى أخته التى يحبها... وكانت علاقة زوجى بأولاده محدودة للغاية اذ لا يكاد يراهم الا قليلاً ولكننى كنت أصر على أن نذهب كعائلة في نهاية الأسبوع الى أى فسحة أو نزهة قصيرة ولكنه أحياناً كان يعتذر لتعبه...طبعاً السهر المستمر والخسارة كانا يسببا له ضيقاً وكأبة وأرقاً... كان يعيش بيننا كضيف وكنت انا اقوم بكل شيء للمنزل والأولاد وأنت تعلمين مسؤوليات هذه البلاد ورعب الأهالى على أولادهم وأهمية الرقابة التى تحتاج إلى أربعة عيون أو أكثر... فليس هناك من يرحم أو يساعد وعليك أن تعتمدى على نفسك في كل نواحى حياتك.

في يوم المحاكمة استجمعت كل قواى وذهبت وجلست في آخر الصف وأنا أرى زوجى ودموعى تترقرق في عينى تكال له  تهماً... إدمان المقامرة وإهمال أسرته والغش والتعدى على من يشاركونه  حتى لايخسر... كان الحكم هو السجن ستة  أشهر لأنه ألحق عاهة مستديمة بغريمه. إستطاع المحامى أن يرغم زوجى على إمضاء توكيل شامل لى حتى يمكننا تدبير مستوى معيشتنا وهو غايب.

ضاع مركز زوجى وضاعت سمعته فى أعين الناس وأولاده واما أنا فكنت  أدور حول نفسى لا  أدرى ماذا أفعل وقد ضاقت بى الحياة ولم يعد هناك طعم لأي شىء حولى.

ظللت كذلك فترة ولكن اولادى كانا هما فقط محور إهتمامى ولولاهم لما عادت البسمة إلى فمى والبهجة الى حياتى. بدات أفكر بطريقة عملية وذهبت الي البنك واكتشفت ان شيك الكفالة كانت آخر مليم في حسابه ولكنه للأسف لم يقنع وأخذ قرضاً ثانياً على المنزل  مما جعل القسط الشهرى عالى جداً. بعد عدة أسابيع لم يكن ممكنا أن نعيش فى هذا البيت والجيران وأصدقاء اولادى والكل يتحدثون بالسوء عن زوجى وعن والدهم.

 عرضت المنزل للبيع وأخذت الاولاد إلى بلدة بعيدة ولكنها راقية وعامرة ولا نعرف فيها أحد. أجرت شقة واسعة جميله تطل على البحيرة وبدأنا نبنى حياتنا من جديد وكم كان هذا قاسياً... لم أعرف ماذا أفعل بعدما يخرج زوجى ولكن المحامى نصحنى بالانفصال عنه وأنه من حقه نصف ثمن البيت المباع. وكان لابد أن اذهب الى المحكمة واطلب البعد عنه وتأمينى انا والأولاد من شره وانتقامه ولا بد أن اطالب بحضانة اولادى وقد حكمت المحكمة بكل ذلك.

الحقيقة يا مدادم مادلين أنا سعيدة بحريتى مع اولادى ولا ادخر جهداً فى تربيتهم وقد نفعتنى مدخراتى الخاصة حتى لا أمد يدى إلى الحكومة أو أى احد ولكننى اعترف لك بعزمى على الرجوع لزوجى اذا إعترف بخطئه ورجع عن إدمانه للمقامرة وتاب عن إهمالنا  ولكن متى ستتحق كل هذه الأمنيات الحلوة... ومن ادرانى أن يرجع لنا حتى يضع يده على ماعندى من مدخرات فيأخذها ويضيعها على مائدة البوكر أو خلافه... أنا في حيرة وعذاب ولكن من اجل اولادى قررت ان اترك كل شئ فى يد الله يفعل لنا ما فيه الخير وأن أعيش سعيدة ومرحة وراضية بحكم الزمن... فما ذنب أولادى فى كل ذلك وما ذنبى انا؟

قلت: اه ياعزيزتى... لقد عانيت الكثير... أنا سعيدة بحكمتك وقراراتك ومن يدرى ماذا سيحدث مستقبلاً... حقاً أن لكل مرض علاج الا الإدمان لحب المقامرة هذا. أولادك هم عزائك فكونى قوية من أجلهم ولا تيأسى من رحمة الله.

 إلى اللقاء...

  مادلين بدوي—نورث يورك

 

 

 

 

 
c 1976-2021 Arab News 24 Int'l - Canada: كافة حقوق الموقع والتصميم محفوظة لـ أخبار العرب-كندا
الآراء المنشورة في هذا الموقع، لا تعبر بالضرورة علي آراء الناشرأو محرري الموقع ولكن تعبر عن رأي كاتبيها
Opinion in this site does not reflect the opinion of the Publisher/ or the Editors, but reflects the opinion of its authors.
This website is Educational and Not for Profit to inform & educate the Arab Community in Canada & USA
This Website conforms to all Canadian Laws
Copyrights infringements: The news published here are feeds from different media, if there is any concern,
please contact us: arabnews AT yahoo.com and we will remove, rectify or address the matter.